شذرات تكسر خبزًا
أمَا تكون “كسرة خبز” توأمَ “شذراتٍ أدبيّة”، فتجتمعُ عنوانًا ونوعًا أدبيًّا في مؤلَّف؟ إن طالعَنا بها الكاتبُ المغربيّ على مدّ صفحات، كلُمتْ قريحتُه فيضًا مشاعريًّا ارتحلَ من عمقِ تأمّلٍ ومعاناة!
كسَر حسن ابراهيمي للغةِ الضادِ مائدةَ خبزٍ فكريّ، قالَ فيها خبايا نفسِه الهائمة، تعبيراتٍ من شذرِ يراعه، سالَ وترُ قريضه الدامي، فحبّر مُدامًا يُسكر الفكرَ قضيّةَ إنسان!
خلوًّا من فصولٍ مبوّبة، فلشَ الكاتبُ الأديمَ كِسَرًا طريّةً، خبزاتٍ تعدّدت تفكيراتُها، مثلما وردتْ في تأمّله… عاشها في تفاعلِه، فنضحتْ على القرطاسِ تحكي ذاتَها على مسامعه من داخل… له في ثقافته الخاصّة، صورةٌ تلوّنتْ بصباغِ ارتطامها على جدران مبادئَ اهتدى إليها نشأةً وعيشًا…
“دماء الشهداء”، ورد في السياق تكرارًا، كتعبّدٍ، تلاوةَ صلاة، أم فعلَ وفاءٍ هاتفٍ، كأنّما الكاتبُ في محرابِ هيكلٍ تستصرخُ أعمدتُه الله، دعاءً بارتقاء الشهداءِ مرتبةَ الملهِمين!
غالبٌ اللونُ القاتم على المنظومة النصيّة في الكتاب. يزيّن الحزنُ مضامينَ سياقيّة، لا تذمّرًا، لكن هيمنةَ حالةٍ شاذّة في الأنظمة السائدة قيادةَ الشعوب، العربيّةِ فيها خصوصًا.
معجم “الموت” يوازي عالمَ الأحياء، إحياءً جوٍّ يتخبّطُ فيه معيوشُ العرب قاطبةً. حقلٌ معجميٌّ يبعثُ في النفسِ فوحًا دمويًّا، طبيعتُه مفتعلة. مقاربتُه تُطعم مرارةً… لكنّها تُلبس المؤلّف عباءةَ الحقيقة، مراقِبًا صادقًا لدقائق التأثيرات المفصليّة في حياة الناس. لا يُجامل، لكنّه يعرضُ لبارقٍ يضيء ليلاً مدلهمًّا… فلا تخلو الفضاءات النصيّة من شعاعاتٍ ضوئيّة، تنيرُ آمالاً تصبو إلى حلولها واقعًا ولو من بعيد!
شذرات، في مفهومها القاموسيّ، قطعٌ من ذهب. كأنّي بكَ تكسرُ خبزَكَ لُمَعًا تتوالى في ضمائرَ تمسكُ بالمصائر…
أدبيّةٌ قلتَ، سبائكَ من مخزون خبرتكَ، قدّمتَها محارًا فريدًا في أسواق الفكر الدفين. علّ فُتاتًا يتناثرُ، فتصحو أدبيّات وتسمو. قدّمتَها أمثولاتٍ مبطّنة لمن يقرأ داخلَ السطور.
إنسانُنا العربيّ اليوم، ينعم بانفتاحٍ على العالم، ويسعى إلى ارتقاء. علّه يبدأ بنفسِه تغيّرًا نحو ذاته، فتنجلي مساحتُه، ويتبادلُ مع الآخر علوًّا، فتتبدّلُ جماعاتٌ وينتظم شعبٌ في بلادٍ على امتداد الإنسان!
حسن ابراهيمي، بلغتَني فاغتنيتُ معرفةً بكَ. قرأتُكَ فوسعتْ رؤيتي، تواصلاً يمتدّ بيننا بساطًا أدبيًّا يُغني كلينا!
# د. عماد يونس فغالي / رئيس منتدى ” لقاء ” الثقافي في لبنان .