يُحيي شعورًا!!
(قراءة في نصّ “الصديق الوفيّ” لشاعر الكورة الخضراء عبدالله شحادة)
الصّديق الوفي
إن البيت الذي تتساوى فيه الرّؤوس والأقدام لأحرى به أن يكون مقبرة للأحياء.
والصّديق الذي يستثمر صراحة رفيقه للهزء والسّخرية لأولى به أن يكون غدّارًا لدودًا من أن يحمل لقب صديق.
والدّار التي يهاب أهلُها كبار الجثث، صغار النّفوس، يجب أن تدّك على من فيها وتطمس آثارها.
لقد لقّنني الدهر وعلّمتني تجارب الأيّام أن أكون ابن نفسي، فكنتُه، على الرّغم من صغر سنّي.
وأخذت الحكمة بيدي، وأرشدتني إلى صراطها المستقيم، وأطلقتني بعدما همست في أذني كلمات بها أتعرّف إلى حقيقة الصّديق الوفيّ في هذه الدّنيا.
المجموعة الرّابعة/ إلى…
# كتب الدكتور عماد يونس فغالي قراءة لهذا النص فقال :
يُحيي شعورًا!!
هنا شاعرٌ يعرف نفسَه، يُدركُ مسارَه، ولا ينسب الأمرَ لنفسه، بل لمعرفته، يقول “لقّنني الدهر وعلّمتني تجارب الأيّام… وأخذت الحكمة بيدي، وأرشدتني…”. ولأنّ التجاربَ قاسيةُ الدروس، جاء النصّ هنا لا إرشادًا البتّة، بل أحكامًا، واضحٌ كم فاعلةٌ في قائلها الأيّام.
هو صحيحٌ يُرجع ضرواةَ أحكامه إلى ما سبق، لكنّه يقول الحقيقةَ في نظره من دون مراعاة… لقّنه الدهرُ من عاتياتِه ما لذعَ طعمَ الدنيا في عينيه! لكنّه قالَ حقًّا يحرّر…
عرف شاعرُ الكورة الخضراء الفضيلةَ مقياسًا، وتلمّسَ ظروفَ تداعياتها، فعرضها كما هي، من دون محاباة… ليس بيتًا ما فيه تتساوى الرؤوسُ والأقدام. ليس صديقًا من يستغلّ طيبةَ رفيقه وصدقَه… وليسوا ناسًا من يُكبرون الفارغين، الهادرين بالصغائر…
هذا شاعرٌ يتجلّى صديقًا لقرّائه، يرفعُ فيهم الإنسان، على وجعٍ يشعره في كلّ كلمةٍ نطقها!!
هوذا نصٌّ في النمط الإيعازيّ الواضح المرسَلة، على دلاليّةٍ تعكسُ نفسَ الكاتب الشفيف، الداعي بإلحاحٍ وجموح، إلى تفادياتٍ واجبة لاصطلاح المكوِّن المجتمعيّ. مرّتين ذكرَ البيت الدار، حسبُه يحصرُ المنشأَ عائلةً، هي الأساس!
يعرّف بنفسه ملهَمًا حكمةً هدَته إلى “حقيقة الصّديق الوفيّ في هذه الدّنيا”، فكانها، كانه. هو لا يعرّف به كما ظاهرُ السياق. إنّه يقدّم نفسَه هذا الصديق الوفيّ الذي يضيء لكلٍّ، الصراطَ المستقيم.
هنا الشاعرُ لا ينظم شعرًا، لكنّه يُحيي شعورًا… يشعرُ بأسىً حالةً شاذّة، تنقلبُ هدّامةً تعطبُ حدّ قول الشاعر:
إنّ الأفاعي وإن لانت ملامسُها
عند التقلّبِ في أنيابها العطبُ
يقدّم معرفتَه في ضوئيّة جامحة، كأنْ كُفّوا، اعتبروا واصطلحوا، تأمنوا كلّ غدرٍ لدود!