عن العمل وأكثر ..منذ الطفولة يسابقني العمر لأني أمشي أمامه , لم أعش مرحلة في العمر تلائم مواصفته كنت أسبقه بسنوات بالتجارب والوعي ..
كانت الحرب على اشدها عام ٧٥ -٧٦ وانا التي لا تعرف الهدوء , اضطررنا الى الصعود لقريتنا في الجنوب وانقطع راتب والدي لأشهر ( المربي في ثانوية الحرج الرسمية) لأن معتمد القبض لا يمكنه الانتقال بين ما كانيسمى “الشرقية والغربية” فعشنا ضيقا..
وقررت وانا ابنة ال ١٠- ١١ عاما ان انزل الى مدينة صور لأعمل , طبعا لم يوافق والديّ , لكن والدي كعادته كان يقحمنا في التجربة والمدلول لنقتنع ولا يفرض أراءه علينا.. واقترح عليّ ان نعمل على” سهسلة” أرضنا الجبلية الشاسعة ونزرعها , وقال” انا ارافقك”..
كانت الشمس تخترق رأسي الصغير ولا تنفع معها القبعة القش الملونة بالأبيض والأخضر , وابي يسارع لحمل “الإفة ” كما تسمى , التي اجمع فيها الأحجار الصخرية الصغيرة ونصنع منها سنسولا يزنّر حدودنا ..
و بعد يومين من العمل وانا أكابر للمواصلة لسع يد والدي عقرب , ما زال المه في قلبي ..وأنا , و بعد ان اصبحت أماً وجدة , أُرسل السلام لروحه كل يوم لإسلوبه الراقي المنفتح في معاملتنا وكانت اللسعة كافية لإقناعي وفرصة للتعبير عمٌا أوصلتني اليه التجربة , وهي أنّ عمل الأرض ليس لي ..
واستعضت عنه بالذهاب لمنزل أحد اقربائنا والتطوع معهم في شك الدخان , وطبعا كان فرحي كبيرا لأني اساعد فلاحين , وذلك مع تسلل اليسار الى فكرنا في تلك الأيام المحتدمة بالنقاشات والحيوية ..
ولم اكن أصمد في ذاك العمل اكثر من ساعتين لأني لا أُحسن الجلوس القرفصاء على الأرض بوضعية قدم ونصف لتوفير المساحة لأكبر عدد من العاملين وانجاز الشك بسرعة قبل ان يصبح دبق أوراق التبغ المقطوفة مع الفجر لزجاً ..
..كان يوضع الدخان الدبق في منتصف الدائرة ليُشك بالمئزر وكنت سعيدة بينهم واكمل نهاري بقراءة القصص والأدب .. وهي واحدة من التجارب الجميلة..
في عام دراسي يتيم قضيناه في بلدتنا , خبِرنا فيه العوز الشديد وأحتضان العائلة وأهل القرية , فكانت جدتي لأبي رحمها الله تأتي محملةً بالخبز المرقوق قبل أن تبرد عيناها من شدة حرارة النار ..الى ان تعلمت والدتي وشقيقتي تولا صناعة الخبز العربي حيث توسطت الطابونة المصنوعة من الطين الدار , أما نحن فكنا نكتفي بجمع البّلان لسرعة اشتعال شوكه وذلك لإحياء النار قبل أن تخمد ..
وكان أهل القرية يتندرون بأن بنات الأستاذ يحملن البلان على رؤوسهن , طبعا اشقائي غالب وناصر كانا مأخوذين بالكامل للعمل السياسي ولا يقيمان بشكل دائم في البيت آنذاك. وقبل تلك التجربة ..
في الخامس ابتدائي وبسبب تفوقي بالرياضيات , اختبرت تعليم من يطلب دروسا خصوصية , ووالدي التربوي كان رحمه الله ينمي شخصيتنا بإعطائنا راتبا شهريا على مدار العام , علينا ان ننظم حساباتنا بما يفي الاحتياجات المدرسية والشخصية , وكان مصروفي آنذاك ١٥ ليرة , لذا سارعت لقبول طلب تلميذة في صفي كان وضع اهلها المادي مرتاحا لإعطائها ساعات اضافية مدفوعة ..
وبعد اربع سنوات افتتح عمي العزيز عبدالله محلا للأحذية وانا كنت مدللته فعملت معه لسنوات بعد الظهر براتب شهري..
اول ما اشتريته من راتبي كان ” صووفا باد” تتحول سريرا وغرفة جلوس صنعها صديقي عازف الغيتار النجار المبدع بلون أزرق نيلي مبهج الى أن إحترق المحل يوما خلال الليل بسبب إحتكاك كهربائي وكان يوما مفجعا لنا.
..وفي فترة الصيف , وكنت في الخمسة عشر من عمري , قررت السفر الى ايطاليا لألتقي مع شقيقتي تولا التي بدأت دراسة الصيدلة في الشمال بمدينة” فرارا” الهادئة , وفي نيتي استكشاف امكانية الدراسة المهنية هناك ..
عملت في محل باتيسري لشهرين وكابرت على الوقوف عشر ساعات مع ألم القدمين حتى جمعت ثمن بطاقة السفر وكررت التجربة في العام الذي تلاه في عطلة الصيف ..
وهي رحلات توالت الى ايطاليا لكن أياً منها لم يكن بطعم الرحلة الأولى تلك.
لم أكن أهتم للمال يوما وما زلت , وربما هي ثغرة كما يراها البعض ..لكني ما أحتجته يوما وإلا ووجدت سبيلا لتحصيله من تعبي مهما ضاقت الدنيا ما دمنا نتمتع بالقدرة على التكيف معها بصلابة ذواتنا..
عسى أمام هول ما نعيش أن نبقى قادرين على تنمية جدراننا الداخلية فهي فقط مصدر السكينة والسعادة.
# الكاتبة والاعلامية دلال قنديل ياغي / بيروت / لبنان
هكذا أنتِ صديقتي ، منذ نشأتك مناضلة لا تحدّك حدود ولا تثنيكِ صِعاب ..
سليلة بيتٍ اختبر طيبة الأرض وحرية الرأي ، حكايتك عزيزتي تصلح أن تكون رواية بأجزاء ، عسى أن تستفيضي بسردكِ كي يزيد استمتاعنا وفائدتنا من تلك الذكريات بحلوِها ومُرِّها …
دمتِ وسلِمتِ ودام النّبض الرّاقي 🌺
من شب على خلق شاب عليه، رائدة انت صديقتي العزيزة عملية ملتزمة تحبين العمل بالأمل لغد أفضل كما عرفناك ،سرد رائع لتجربة مميزة لعائلة مميزة. ،دمتي عنوان للام المصحية سردك نبراس فتياتنا اكملي القصة تعلقنابها نشتاق للمزيد..دمتي زميلة أما احنا مرشدة اطال الله بعمرك. ..