# خاص زاوية ” شهرياد الكلام ” التي تنشر بالتعاون مع منتدى شهرياد الثقافي في لبنان .
# ” فالق الموت “/ بقلم د. قصي حسين :
فالق الموت
لم يتخل لبنان يوما، عن إستقبال المهاجرين. ولم يتخل يوما عن توديعهم. كان البحر فالق الموت بين هجرتين. كانت جزر البحر، بإنتظار القادمين وبإنتظار المغادرين. وكان لبنان يرسو في البحر على مثل سفينة ضخمة، على مثل جزيرة ضخمة. على مثل مقبرة أو معبد أو منارة، للتائهين.
وكان البحر فالق الموت. ينزل فيه الغرقى، يبحثون عن عيون الذاهبين إلى الراحة. يغسلون الخوف والجوع. يغسلون عرق السنين.
قوافل تنضم إلى صدر لبنان من البر والبحر. قوافل يودعون شمسه، كل صباح وكل مساء.
والبحر قدامه، فالق الموت، يلوح للقادمين إليه. يذيبون فيه شموعهم، غداة كل حرب. غداة كل هجرة، غداة كل موجة، نأت بهم إلى فجر ثقيل جديد.
هو البحر فالق الموت، ينتظر الجميع. طما على التاريخ، بأكفان مبللة. طما على غدر الفاتحين. طما على كنوز الناهبين.
فالق الموت أرحم من الجوع. أرحم من الخوف. أرحم من سكاكين الغدر، في الوطن الحزين.
فالق البحر، قوارب مرصوفة، وعيون موصوفة، ونساء وأطفال، وقوافل جوعى وعطشى، يغمسون أديمهم بالماء و بالملح، وينتظرون فالق الموت أن يوسع لهم صدره، بين لبنان واليونان، قبيل الوصول إلى “ليسبوس”، لشرب الكأس، والخلود إلى الموت.
قارب الموت، يقل أهله إلى فلق الموت، الملاذ الأخير للهاربين من الخوف والجوع وتعب السنين.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية