|| تلقى موقع ” ميزان الزمان ” رسالة تضامنية مع الشعب اللبناني من الشاعر ناصر قواسمي وأرفقها بنص قصيدة بالنثر مؤثرة جدا عن بيروت , وهنا القصيدة :
ونحنُ نعلمُ يا بَيروت
مِنْ أَيْنَ نَبْدَأُ يا بَيْرُوت
إِنَّ الْكَلاَمَ عَلَى الْكَلاَمِ صَعْب
وَالحِبر عَلَى الدَّمِ مَحْض البَلاهَةِ وَالغَباء
مِنْ أَيْنَ نَبْدَأُ يا بَيْرُوت
وهَل مِن بِداياتٍ لِتشكُّلِ المَّاء في المَّاءِ
هل مِن سماءٍ أوسَع
كَي يعبرَ النَاي في ظلٍّ مَا اشتَرَطَ لونًا لِلحقُولِ
مَا مَعَنّى أَن نَقُول
كَي نَنجُو مِن أرضٍ هَوَت
مِن دونِ قيدٍ أو شَرطٍ في لُغَةِ الذُهُولِ
مِن أينَ نَبدَأُ يَا بَيرُوت
وقد أضَعنا وُجُوهنَا في حُروفِ الهِجاءِ
فِي البَحثِ عَن نَحوٍ وَصِرفٍ يَليِقُ
أَيُّ لُغَةٍ عَلَى الْأرْضِ تَليق بِدَمِ الشُّهداءِ !!
يا وجعَ القَصيدةِ والمَجازِ
لَا وَقْت
لِيَصْعَد الْوَقْت إِلَى وَقْتِهِ عِنْدَ الْمَسَاءِ
لَا وَقْت صَالِحٌ لِلْغِنَاءِ
يا أَيُّهَا الدَّم الصَّاعِد أَعْلَى مِنْ أَرض الْكَلاَم وَالْعَزَاء
عَلَى إسفِلتِ الْخِطَابِ
وَفِي الْجُدْرَانِ المُشَرِّعَةِ لِلْحُزْنِ وَالْبُكاء
مِنْ أيِّ جُرْح نَدْخُلُ
مِنْ أَلِفٍ وَاقِفَة فِي حُلُوقِنَا كَالسَّيْفِ
أَمْ مِنَ الْخَوْفِ تَلْوَى كَأفْعَى فِي حَرْفِ الياءِ
والروحُ فِي الرَّوْحِ حَجَر
كالقَمْحِ سَاغَ لِلْغرباءِ وللطيورِ الْكَسُولَةِ
لِفُحولةِ المَوتِ
وانشِطارِ التُرابِ عن مَعناهُ في الأرض الثَقيلةِ
كيْفَ نَكتُب الوَجع في كِلسِ العِظامِ
ونُثنّي الكَلامَ عَلى الكلامِ
كَي نَنجو قليلًا من دمٍ طازج
طارَ كالعُصفُورِ الغضِّ فوقَ السَّماءِ الهَزيلة
هل يشعُرُ الرُّخام بِوَزنِ الدَورِي
حَطَّ على بَياضهِ قتيلًا دُونَ سَببٍ واضِحٍ
سِوَى أنَّ الطيرَ أخفَّ مِن وَزنِ النَّار تَصعَد نَحو السَّماء
لِتَشتَبِك بالخُيوطِ الخُيوط
بَيرُوتُ يا بَيرُوت
لا مَعنَّى لِاعتِذارِنَا الآن
إذا ما أَنَّ المَّاءُ أوْ صَاحَت البُيوت
مَن ألبَسَكِ الأُسوَد
من زَرَعَ في عَينيِك الطِيبِتينِ حُزنَ النَّهار
مَن قَصَّ ضَفِيرتكِ الشَّقراء
وأَرخَى المَّوتَ اللعين نَشازًا على الأسُوار
مَن صَعَدَ على جُثَّتكِ كي يَرَى أوَضَحَ قليلًا
أوْ أغبَشَ
مَن أَدهَشَ
مِن ظِلِّك نَادى بِالغَيْمِ وبِالماءِ تَحرَّشَ
يا ظِلَّ الله على الأرضِ
وحَنينَ اليَوْمِ إلى الغدِ
مَن عطَّلَ الوقت في المَّرفأِ العَاري
يا دمَنَا اليَومَ في العُروقِ مِن خَجَلٍ يَمُوت
بيروتُ يا بيروتُ
لا مَعنَّى لِاعتِذارِنَا الآن
إذا ما أَنَّ المَّاءُ أو صَاحَت البُيوت
لا وجهَ لَنَا دُونَ وَجهِك
ومَا نحنُ سِوَى الحَجَل في السَّماء مِن غيرِ مأوَى
فَلا حَنيِن ولا طَنيِن
حُفاةٌ بلا سِيقانِ
عُراةٌ بِلا ألوانِ
نَعدُو مِن الخوفِ إلى الخوفِ بِلا جَدوَى
تَعدَّدنا كأنَّنَا السَّراب ما بينَ الكُفرِ والتَقوَى
بَيرُوت ما جدوَى
ما جدوَى أنّ نُطلَّ على أَرزِك في الأَعلَى
سُبحَان مَن سَوَّى
مَن جَلَّى الأرزَ في الشّاهِقِ
وأناخَ الغَيمَ على كتِفِ البَحرِ فتَجلّى
ما جدوَى النَظَر إلى الماءِ
والرُّوح ظَمأ مِن الأسفلِ لِلأَعلَى
تَناوَبَت عليها الصَّحراءُ في الذَهابِ والإيابِ
ما جدوَى أن نَذهَبَ الآن
في حريرِ الغِيابِ
في صميمِ الجُرحِ الذي طَعنَ وتوَلّى
ماذا على البَحرِ إذا جُنَّ الياقُوت
بيروتُ يا بيروت
لا مَعنَّى لِاعتِذارِنَا الآن
إذا ما أَنَّ المَّاءُ أوْ صاحَت البُيوت
لم نَزَل في سِرِّنا
على سِرِّنا
كما عَرِفتِنا يا بيروت لم نَتَبَدل
يقتُلنا الحنينُ لِضِفافِ عينيكِ
ويُرعبنا جمالكِ
في الشاهقِ البعيدِ لم يأفل
وما زلنا
نكذبُ في آخرِ الكلام وفي الأوّلِ
كأنّنا نُراوِد النَفسَ عنكِ والنَفسُ
غاباتٌ لمْ تُسبِّح ولم تُهَلل
ما أصعَبَ الشعورَ باليأسِ
يا بَيروت
مَا أصعَبَ أن يَخجَل الحجر
أن يذهب في الصلاةِ والتَبتُل
تَمَهلِي يا بيروتُ تَمَهلِي
مَا قَتَلكِ البَارودُ حَبيبَتي
لَكِنَّهُ
ما أَغبَى أَن تُهمَلِي
ما أَغبَى أَن تُهمَلِي
مِن أينَ نأتيكِ الآن وشَجَرُ الأرزِ دُخان
المَّاءُ دُخان
وُجُوهُ الصّبايا في الطّريقِ مِن المَوجِ إلى المَوجِ دُخان
مِن أيْن نُطِلُّ على الخيْطِ القَصَبِ
على الذَهبِ
على فيروز في المِّيناءِ ورُعاةِ العِنبِ
يَهُشُّونَ النّارَ عن ظِلالِ المرفأِ تَموت
بيروتُ يا بيروت
لا مَعنَّى لِاعتِذارِنَا الآن
إذا ما أَنَّ الماءُ أوْ صاحَت البُيوت
والسَّاسَةُ في البارِاتِ على كُؤوسِهم يجلِسون
يَفقِسون
ويُتوالدون مِن كلِّ فجٍ كالجرادِ ويَهمِسون
مَا بالُ بَيرُوت حَزينة
مَا بالُ أسُوار المَّدينة
مِن أيْنَ أتَى هذا الشُّحوبُ في لحظةٍ والجُنون
ونحنُ نَعلمُ يا بَيرُوت ويَعلَمون
أنَّ الماءَ في لغةِ الماءِ الظُنون
وأن الشّجِرَ كالنَّاسِ يَخون
وأنَّ العُيون
يا مُنتهى الجنون أن تَبكي بيروت
أَن يكَرج حَجَلٌ في الجِوارِ
على رعبٍ
وقد أجفلهُ المَوت وأرعَبهُ الطَاغُوت
بيروتُ يا بيروت
لا مَعنَّى لِاعتِذارِنَا الآن
إذا مَا أَنَّ الماءُ أوْ صاحَت البُيوت
ما زالِ في الكلامِ كلامٌ يا بَيرُوت
ووردٌ
رغمَ نُعومتِهِ يصارعَ الحجر في جُدرانِ الكلام
ما زال طيْرٌ
يُصفِّقُ بِجناحيْنِ مِن أملٍ وطَحينٍ وسط الحُطام
بيْروتُ تصحو مِن جُرحِها
مِن وعاءِ الألمِ رُغمَ سقوطِ الرُخامِ في الرُخامِ
بيروتُ
فلتَنهضي اليَومَ من الجرحِ الصفيقِ لا تَنامي
وتَنامي
تَنامي
تَنامي
في كُلِّ رُكنٍ على هذِهِ الأرض
أتمِّي الصحو في أمَمٍ تَنامُ على خَيطِ الظلام
اُكتُبي نَشيدًا لِلبحرِ
إنَّ البحرَ على خَصرِك في تمامِ التّمامِ
ينهضُ مِن حُزنِهِ كي يَغسِلَ الجُرح
ويُهدهِدَ الأَرز الذي أنَّ
وجنَّ
وظنَّ
وصعدَ على رأس الجبلِ وغنَّى
هُنَا بَيرُوت
هُنَا بَيرُوت
تَصحُو مِن جُرحِها وتبصُقُ في الوُجوهِ التي
تَمُوتُ ولا تَمُوت
كأَنَّها خَيطٌ واهنٌ نَسَجتهُ العَنكَبُوت
بيرُوتُ يا بَيرُوت
لا مَعنَّى لِاعتِذارِنَا الآن
إذا ما أَنَّ الماءُ أوْ صاحَت البُيوت
# الشاعر ناصر قواسمي / المغرب 12/ 8/ 2020