طوق الورد
لمن نهدي طوق الورد، هذة الأيام. في عنق من من الرجال نضعه، وننسحب بوصة أو بوصتين إلى الوراء، تقديرا وإحتراما بكل إجلال.
لبنان، يحتاج في أيام النكبة هذة، كما تعود في نكباته القديمة، إلى رجل عظيم. في عنقه طوق من الورد. يطفئ حريق المرحلة.
ننام على وهج الحريق. ونستيقظ على وهج الحريق. ولا نرى حولنا الرجل الرجل، الذي في عنقه طوق الورد.
دخل لبنان عصر النار. يشوى بها حتى العظم. ودخل معه الحكام والسياسيون، عصر السفسطة الأثينية، ولم يظهر عليه الرجل الذي في عنقه طوق الورد.
كم نكبة ننتظر بعد، في عام النكبات. كم جائحة. كم مجاعة. كم سباء. كم تشريد. كم موت بطيئ.
صيف على صيف هذا العام. غيظ وقيظ على جباه الجبال الصفراء. سدت فوهات براكينها المستجدة بالكمامات. من فرط الخشية. خشية الجوائح. غير الجبل عادته، وإنتحى إلى الكهوف والمحاجر، يذرف الصخر. لم تعد فوهاته تقذف الحمم.
ينتظر الجبل، موجة إثر موجة. ونكبة إثر نكبة ولا يتحطم على باب الموت. ولا يحطمه شبح الموت، مهما بلغ وبالغ في الجبروت.
جبل، لا يزال ينتظر الرجل الذي في عنقه طوق الورد، حتى يشرئب بشماريخه، ويعود إلى عناده الذي تعوده. عناد الصخر.
هو الجبل المكابد. هو الصخر المعاند.
جبل يدخل اليوم الحلبة. قفازاه من صخر. يعاند الموت. يعاند النار. يعاند التهويل والأهوال والدمار. من يجرؤ، غيره، على معاندة طوق النار، بطوق الورد.
جبل يقطع النكبات، نكبة نكبة بأطواق الورد. تتمطى الدقائق والثواني، في عروقه. تستحيل إلى دهور.
جبل، شد إلى النجوم، بأمراس من نور. وحارسه رجل في عنقه طوق من ورد.
دخل لبنان اليوم الحلبة. رجل في عنف النار وأدهى. ورجل في رقة الورد وأدهى. وبينهما الصخر المعاند.
لا أتحدث عن الصخر المحايد. أتحدث، إنما، عن الصخر المكابد.
تعود مكابدة الشقاء، مع الأشقياء. يقطعون السبل على الناس. يسرقون قوتهم. يسرقون أموالهم. يمنعون عنهم الماعون. يمنعون عنهم النور. يتخطفون من أيدي عوائلهم الرقيقة و النحيلة، الرغيف والكتاب.
لا أتحدث عن الصخر المحايد. أتحدث أنما، عن الصخر المعاند.
ماعرفت الصخر إلا صخرا. يشوى بالنار، ولا يقلى. كلما شوته النار زادته صبرا على مكابدة النار. زادته حبا. زادته مكابدة. عنادا. لا حيادا.
رجل في عنقه طوق من الورد، ننتظره في أول الدرب إلى الجلجلة، هذة النكبة. يمشي الهوينى: لا ريث ولا عجل. يصعد الأنفاس. يشرب الكأس.
رجل بعناد الصخر، يكابد العصر. يمرحل “المرحلة”. في عنقه طوق من ورد. في عنقه طوق من عناد. في عنقه طوق من حياد. في عنقه طوق من ناس. في عنقه طوق من ماس. وفي عنقه طوق من جمر.
رأيت لبنان يهم أن يضع على رأسه تاج الشوك. قدماه مغمستان بالدموع والدماء. والسياط تسوقه إلى المجد. مجد لبنان أعطي له.
رجل مكابد. في عنقه اليوم طوق الورد. ويداه تقولان: الحياد والعناد..
ولا شيء آخر. حتى الشهادة. حتى الموت.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية