..هو نصر الظاهر , أديب من جبل عامل في لبنان , له العديد من المؤلفات والقصائد , كلماته كلها تحمل الزهر الفوّاح ونسائم بحر صور وألوان الزخارف المرصعة بالحبر الارجواني للأحرف والكلمات .
موقع ” ميزان الزمان ” الإلكتروني قطف من بعض مقطوعاته الأدبية والشعرية سنابل تتمايل على أجنحة من حب وعشب وتراب وطن .
-1-
*سنبقى
إلى أنْ يستريحَ الغبارُ وينأى بعيدًا عن وِهادِ بلادي كلالُ التعبْ…
ستبقى الحروفُ
شفارَ سيوفٍ على شرفةِ الوقتِ
ونايًا شفيفًا يبوحُ بحلمِ القصَبْ…
وتبقى رياحٌ غضوبٌ
تولولُ خلفَ التلالِ
تشدُّ الرحالَ
تُعِدُّ الرجالَ بِجَمْرِ الوقودِ ليومِ الغضبْ …
سنحملُ عند الصباحِ سِلالَ التَّمَنِّي
ونقطفُ من عالياتِ النخيلِ خَصِيبَ الرُّطَبْ…
ستضحكُ للواقفين بوجْهِ الطغاةِ عيونُ النهارْ
ويُبعِدُ عن خَطْوِهم في الطريقِ جميعَ النُّوبْ…
فلن يتركَ اللهُ قومًا ارادوا الحياةَ
بِجِدٍ ولم يَتركوا للرياحِ جوابًا لهذا الطلبْ…
-2-
في شوارعِ قريتي
وحواكيرِها
وشرفاتِها
ومصاطبَ كان يزيِّنُها الحبق
لم تجدِ العصافيرُ اليومَ
سوى بقايا أغنياتٍ ذابلةٍ
وحكاياتٍ مُدَمَّاةٍ بشوقٍ هاربٍ في عتمِ المجهول …
وفي شوارعِ المدائنِ التي نثرْنا فوق أرصفتِها مِزَقَ احلامِنا وانتظاراتِنا المرجأة، وعلَّقْنا على مصابيحِها مناديلَ مُبلَّلةً بلهفةِ المواعيدِ الدافئة…
لا يسمعُ الحَمامُ سوى أنينِ العابرين إلى صحارى القلقِ وعويلِ المتروكين في عراءِ الخوفِ والضياع…
والعيونُ ترقبُ صباحاتٍ أضاعتْ مفاتيحَ بواباتِ الليل…
-3-
جُثَثٌ أمْ نيام
الصوتُ يملأُ كلَّ ما وَسِعَ المدى تردادَ بَوْحٍ للرمالِ يَئِنُّ في الأفقِ المديدْ
فتُرَجِّعُ الوديانُ أصداءً لأنهارٍ مِن الشجنِ المُصَفِّقِ في تَنَفُّسِ جُرْحِها وجعٌ أكيدْ
والريحُ تُعْوِلُ، لاتَرى في الواجفينَ مِن السُّراةِ سوى عُراةٍ مِن ضمائرَ يرقبون الغيبَ في الغلسِ البعيدْ
فكأنَّهمْ جثثٌ تآكلَها النعاسُ وأَوثَقَتْ أقدامَهم في النومِ أصفادُ الحديدْ
نصر الظاهر 27/6/2020
-4-
كَمواكِبِ مَوْتَى
يعبُرُ بنا الوقتُ
حاملًا نُعوشَ مواعيدَ تَخَثَّرَ دمُها في ظهيرةِ النهار…
سنابلُ ذهَبٍ تضاءلَ في وعْيِها حلمُ البيادر…
ذاهلةً
ذابلةً
تترنحُ انتظاراتُنا تحت حوافرِ خيولِ الريح…
أحلامُنا تسَمَّرَتْ بانكسارٍ في عُلَبِ صقيعٍ تُوَقَّفَ في عروقِه نَبْضُ الفصول…
بُحَّ صوتُ الأماني التي كانت ترتلُها فوق منابرِ الشجرِ عصافيرُ أشواقٍ ملونة…
ومتهالكون داخلَ جدرانِ البيوتِ بأجسادِنا ،
أنفاسُنا معلقةٌ على خيوطٍ واهيةٍ من الترقب …
وحدَها أمواجُ الخوفِ الأسودِ تضربُ بمعاولِها شطآنَ صباحاتِنا وتُقلِقُ حتى النبضَ في العروق…
لأولِ مرةٍ تَجيءُ الثواني وليس في حقائبِها سوى زهرةِ الهلعِ وأسرابِ قلقٍ رماديٍّ تَحُومُ فوق هياكلَ عاجزةٍ حتى عن تأمينِ ذَرَّةِ أمانٍ لأسئلتِنا المُربَكةِ واعينِنا التي خبا في سوادِها بريقُ الحياة…
تَدُقُّ الثواني بوَّاباتِ العمرِ ولا أثرَ لحَبَّةِ بذارٍ واحدةٍ غفلتْ عنها عيونُ النمالِ سوى ما يومضُ في البعيدِ البعيدِ على أفقِ الروح…
فهل تُرانا نتأملُ بوعيٍ إلى أيِّ الموانئ آبتْ مراكبُنا ؟
عسانا نعيدُ رسْمَ عناوينَ جديدةٍ لرحْلتِنا ونستفيقُ من جنونِ نوازعَ أوصَلَنا موجُها إلى سواحلِ الموت، ونقفُ عراةً أمام مرايا ذواتِنا نتحسسُ جراحَنا وما تجَذَّرُ في احتمالاتِنا من وهْمٍ وما تراكمَ فوق بصائرِنا من رماد، ونحن ننزلقُ إلى حافةِ هاويةٍ ليس فيها سوى فَحِيحِ النهايات…
نصر الظاهر
12/6/2020
-5-
صرخةٌ على مُفتَرَق
من يُعيدُ للمدى الرحبِ في هذا الزمنِ الرماديِّ نقاءَ الرُّؤيا
ولِغابةِ الزيتونِ حِداءَ اليمامِ
ولهذه الأرضِ القاحلةِ عُشبَها وزنابقَها وسنابلَ الذهب
ولشُرُفاتِ البيوتِ مساكبَ العِطرِ والحبقِ وضحكَ الياسمين …
من يُعيدُ للقلوبِ نقاءَ السريرةِ
وللعيونِ بريقَ الحُبِّ
وللجباه شموخَ الأعالي …
من يُعيدُ للنهرِ أغاني مياهِه تتدفقُ في أودية الروح
وللراياتِ خفْقَها في ساحاتِ الحرية …
من يُخرِجُ هذا القطيعَ من حظيرةِ الطاعة العمياء إلى بهاءِ النهار وألقِ الشمس …
من يجرؤُ أن يتلمسَ كامل تخومِه في مرايا ذاته ويكتبَ فوق جدار الصمتِ حروف ضميره …
مَنْ ؟ ……..
# (الكاتب والشاعر نصر الظاهر/ مدينة صور / لبنان )