” شهرياد الكلام ” , هذه الزاوية ثمرة تعاون وتنسيق مع منتدى شهرياد الثقافي في لبنان لرئيسه الروحي الشاعر الشيخ نعيم تلحوق .
المشاركة أتت اليوم من الأردن الشقيق للكاتب والفنان التشكيلي رائد أبو زهرة , وهنا النص :
“جغرافيا للكتابه أو ذات وجع“
“واحسست بأوجاع في الحائط… أوجاع في الغابات… وفي الأنهار… وفي الانسان الأول ” مظفر النوّاب
———————————-
1-
حيناً تفضي الكتابة لبكاء… ربّما يتعبني اغترابي… حيناً تتقد الكتابة… كأني أتماهى بمعنى أجمل… وبقرب وضوح ما… فهل هذا هذيان… أم أحتاج أدافع عنّي؟ كأني متهم بغير ما أحس… هل أنا متهم… كأني أحس…
2-
تحاورني الكتابة أو تراودني أو تحتلّني… أو تأخذني لارتياح مفترض… ثم تتركني في المنتصف… يعاودني الوجع في المنتصف… ينقضّ على أمنيتي الصغيرة… ويجعلني أحكي عن يباس الكلام… هشير الزجاج… وتأرجحي في “الذهابياب”… وما من أحد يطرق باب قلبي اللحظة… هل أنا متهم؟ كأني أحس…
3-
بعد وصول أولي لفهم ما… ترتطم الذات بالذات… أصرخ… أيجدي فهم أحادي أو يريح… يعانقني لوركا… منشداً:
“عند الحواجز الأولى… التي يصادفها المرء… لا يكون العالم ألا فوضى… وغباشاً أصفر… “…
فأسأله… وانا أدري أو لا أدري… حين أعانق رسماً… أو انشودة… هل أقدر أن أحلم بالأبد؟
فيحتّد باشلار معلناً فيزياءه المعاندة: “اللحظة مطلق بين عدمين”… فأتذكر… أتذكر أني أعيد ذات الأسئلة…
أأنت وقتي أيها الوقت… أم أنا مساحة أرقي المباح؟ أأنت صدري أيها الصدر… أم أحتاجك كي أتخفف من صخبي حين أتنهد؟ أأنا حلمي أيها الحلم… أم ما كنتُ فقط وما سوف أكون…
4-
وسألتُكِ… وأنت بعد لم تأتي… لمَ تؤجلين موتي على فضاء من الحكايات الشاردة… وأنت رأيتني حين رأيت الرعاة على دكّة الموتى وحيدين… ويذوبون… كما في البحر تذوب الأشرعة…
وقلت لك وأنت لم تأتي بعد: أنا الذي على حافة العتم… شاهدني النّاي… وسافر في رؤاي… ريحاً صوراً… وسافر في أناي… لسعاً في انسياب الأنين… وفي انقشاعي عن الهدوء… موقداً دهشته الحالمة… فهل أنا متهم؟ كأني أحس…
5-
وانا… من رأتني العصافير… أؤجل وجعي وأجدد موتي… حين شاهدت بعينيك تأريخي… ويبكي… وأجفلت من خطاي… وأنا ربكة أصابعي وحدّتها… وأنا مساحة الجلد المجعلك والدَّفِء… وأنا لغتي وعجز اللغات… وأنا ما استطاعت شفتاي… وما لم تستطع… وأنا أنين ناي… أصدّق خمري ليلاً… وأرتاب به صبحاً… حين أجرني كالمجرور إلى عمل ممل… كي آكل خبزاً وملحاً… وأنا ما زلت أحب الدرج… لأنفض عني غباري… وأعانق ما استطعت من رؤاي… فهل أنا متهم؟ كأني أحس…
6-
وأراقص ظلي… وأرى من اللهفة فيّ ما يكفي لأناديكِ… تعالي نرفع للندى البسيط صلاتنا… فأنا يجرحني الغياب… وأنت حين بعد لم تأتِ… لكنّي لن أصاب بهم… لن أصاب بهم… سأعلي راية لنا… وأصفع وجه التأريخ بصدقي… أكسر حدود الجغرافيا كلها… وأذكر وجهكِ… أذكر زهرة تموء في الطريق… وأناشد نشيدك فينا…
ضمّيني… ضمّيني…
لئلاّ يقتلني الغزاة الجدد…
خذيني قبل تذبحني الحروب الواهمة…
أنقذيني من خرافات الوهم… منذ المشاع إلى الإقطاع إلى النزاع على النفط…
خذيني نحوك… كي نركض نحونا…
نحب الأرض كلها…
نحب الانسان كله…
ونزرع شتلة خضراء أينما حللنا…
7-
كاني أراوح بين الصحو والخدر…
كأن المعاني تنساب فيّ كالصور…
كأن الصور تذكرني بمن أحب…
وبالقمر…
أما كأن من حقي في دهشة ارتطامي…
أن أدري أين يأخذني وهمي…
أما كان من حقي أن أجرب…
وأن أبغض الصواب والخطأ…
أما كان من حقي أن أحب ما أحب…
الزراعة والانشاد الموسمي والعنب…
أما كان من حقي في غيابك…
ألا أموت على أبواب المدن…
( رائد أبو زهرة/الأردن)