” من قصص الحرب على الناموس ” للكاتبة مهى محمد جعفر
-×-×-×-
الجزء – 1 –
تغطّ بغاراتٍ غادرةٍ على جسدي، تارةً تئزّ فوق أذني لتغتال عنقي فجأةً وتمتص منه رحيق آخر نقطة عطرٍ تحاول التلاشي في أنسجة جلدي. وتارةً تحاول التسلّل إلى مسام كتفي خلسةً لتسرقَ نقطةً من نكتار المشمش في مرطّب الجسم الّذي أستعمله… وأحيانًا، أمسك بها تنقر نقرًا خفيفًا تدقّ فيه مفصل قدمي محاولةً اختراق العظم ربّما !
احترت في التحايل عليها: فلا نفع لسلاح قصفٍ “وساديّ”، ولا نابني من محاولة صفعها سوى الهالات الحمراء على كتفيّ ووجهي، ولا سلاح كيميائيّ استطاع هزمها…
إنها “ناموسة” قليلة الأصل تحاول اقتحام مملكة جسدي لتحتلّ عريّه…لكنّني يقظةٌ…وسأهزمها…
الكاتبة والتربوية مهى جعفر
الجزء – 2 –
اسْتجمعتُ إرادتي وشجاعتي وقلت في نفسي: ” لن تهزمني ناموسة، لن أدعها تلمس جسدي، سأحاربها بكلّ الطرق الممكنة”.
فما كان منّي إلّا أن فخّخت لها مشتهاها بالسمّ، فدهنت جسدي بمستحضرٍ خاصٍّ يكره الناموس رائحته، تبًّا للورد والمشمش! سأذهب إلى سريري بلباس الحرب هذه المرة…ولنرى من سيكسب الحرب، لقد ربحت معركة إقلاقي، لكنّني سأجعلها تدفع الثمن، سأجرّعها سمًّا يستهلك جسدها الهشّ ثمّ أدهسها بعد موتها…أريد لها الموت مرّتين…لااااا أحد يقلق نومي النادر…لاااا أحد يجرؤ على ذلك…وإلّا فعليه دفع الثمن باااهظًا !!!
المهم…
سلاحي الثاني كان ماكينة أقراص ال “vape” من النوع الأصليّ، وبخاخ baygon، وعدم تشغيل التكييف في الغرفة وإقفال الباب والنافذة بشكلٍ كلّيّ….نعم…سأخنقها… “تعالي إلى الطّعم أيّتها الخبيثة” قلت في نفسي وتمددت في السرير شبه عاريةٍ في تحدٍّ وفخرٍ لا يعرفهما سوى المنتصر سلفًا .
أغمضت عينيّ بهدوء ، لا ضجيج حولي سوى طنين أذني اليسرى الخفيف. بدأت أسمع أزيزها، إنّها قادمة، تعاليّ إليّ أيّتها الدخيلة، تذوّقي سمّ جلدي، كم أشتهي رؤيتك تتقلّبين وجعًا فوق مسامي!
العتمة تثقل المكان، كذلك رائحة مضاد الناموس وقلّة الأوكسجين في الغرفة، استسلمت للنّوم بلا إرادة….
لعلّها ساعات تلك الّتي انقضت، لم يوقظني رنين هاتفي الصامت الأخرس بأمرٍ عسكريٍّ دائمٍ منّي، إنّما صوت زوجي ووجهه الّذي يلوح أمامي كخيال ظلٍّ: ” مهى…مهى…هل تسمعينني…أحضروا الماء بسرعة…” .
فتحت عينيّ بتثاقلٍ أحاول استيعاب من هذا الغريب الّذي يمسكني من كتفيّ بهذه الطريقة؟ هل هو وحش الناموس؟
شعرتُ بالماء البارد يرطب وجهي، وبما يسيل من فمي على صدري حين كان يحاول جعلي أشرب القليل منه…الضوء بدأ يتوضح، شممت رائحة الهواء بعد أن فتحت العاملة المنزلية النافذة وباب الشرفة، كان شكلها يشبه ناموسةً سمراء كبيرة…أففف كم من الدم امتصت مني لتصبح بهذا الكبر؟ أين جناحاها؟
استعدت وعيي تدريجيًّا ، فإذا بزوجي يجلس إلى جانبي: “كنت تصابين بالاختناق، ماذا دهاكِ لتفعلي هذا يا ست؟ كدنا نخسرك، لقد نقص الاوكسجين من الغرفة بفعل الحرّ ، وهذا المبيد الذي رششته وتلك الأقراص…أنعيش في غابة؟ ماذا تفعلين؟ حمدًا لله أني أتيت مبكرًا”.
رأسي يدور ، بصري زائغٌ نوعًا ما ، أسندت رأسي إلى كتفه منهكةً وقلت:” إنه الناموس، أردت قتل الناموسة الّتي حرمتني نومي البارحة “.
“لا حول الله، لو أنّك غير متعلّمة لعذرتك… ثم ما تلك الرائحة الّتي تنبعث من جسدك؟ “
ابتسمت كالثملةِ وأجبت: “دواء لقتل الناموس، هذا سمّ”.
دفعني عنه ببطءٍ واستغراب وقرفٍ، كمن يرى مشهدً مرعبًا للمرّة الأولى وتتسع عيناه بلا معنًى يُذكر”…
وقع بصري على قدمي اليمنى بينما رأسي يدور، رأيت علامات نبهتني: أربع لسعاتٍ متتاليةٍ على ظهر قدمي…حمراء حارقة…دوّرت عينيّ بزمّها والتركيز حولي ، جنّدتُ حواسي، تجاهلت طنين أذني، أسكتُّ زوجي بوضع يدي على فمه وتأهّبت أصيخ السمع بأذني خلد…لا طنين…لقد ماتت…ماتت…قتلتهاااااا…ولو أنّها تركت آثارها قبل أن تنتهي ، وشم البطولة على قدمي…ليتني رأيتها تنازع…نزلت على الأربع إلى السجاد الممتدّ على أرض الغرفة أبحث عنها لأتشفّى بها…سأهرسها هرسًااااا…
وزوجي يصفق يدًا على يدٍ ويقول:” العوض بالله … جنّت المرا…”
( ملاحظة: القصّة من نسج الخيال، الحقيقيّ فيها هو الناموسة وأنا وخيالي….والاستثمار) …
الكاتبة مهى محمد جعفر