خاص ” ميزان الزمان ” – كتبت هالة نهرا* :
نشر أخيراً المؤلّف الموسيقي اللبناني المرموق عبدالله المصري “لونغا رياض” في صياغةٍ مدوَّنة للكمان والبيانو تجسّدت عزفاً منذ فترة في “قاعة رحمانينوف” في “كونسرفتوار تشايكوفسكي” وهي من أشهر الألحان في ثقافتنا الموسيقية العربية. إنّ تلقّي المقطوعة جديدٌ وطازجٌ في المدى المحلّيّ والعربيّ، علماً أنها تستحق أن تقارَب بحفاوةٍ نقدية وسمعية.
مُطيِّباتٌ وتوابل ولمسات إبداعية جديدة ارتآها عبدالله المصري، وقد منحتْ “لونغا رياض” للموسيقار المصري الكبير رياض السنباطي نكهةً وبُعداً جديدين مع المحافظة على الخطّ اللحنيّ الأصلي كما هو. الأهم الذي يستحق الثناء والاحترام أنّ المؤلّف المبدع والمجتهد لم يمسّ الجوهر والأساس وحرص على صَوْنهما، وأضفى حيويةً محبَّبة على الميلوديا. جميلٌ أن تؤدَّى “لونغا رياض” في قاعة كونسرفتوار تشايكوفسكي برؤيةٍ مستحدثة زاخرة بالتجلّي، وهذا السعي المحمود إلى بناء الجسور الثقافية والحضارية من خلال الموسيقى، وإلى نشر ثقافة الموسيقى العربية في روسيا والعالم.
المؤلف الموسيقي عبد الله المصري
بمجرّد نشر عبدالله المصري حديثاً للمقطوعة في مواقع التواصل الاجتماعي، عاد الاهتمام في الوسط الموسيقي والأكاديمي ولدى متذوّقي الأنغام والفنّ متمحوراً حول هذه التحفة اللحنية التي درسناها في جامعاتنا ومعاهدنا الموسيقية المحلّية والعربية. اللحن الأساسي الخلاب، بالكامل، تمظهرَ مع توليفةٍ برؤية المصري الخاصة، علماً أنها تُعرَف بالتوضيب الموسيقي. تجدر الإشارة إلى إنّ هذه التقاليد بدأت من حقبة “الباروك”… وقد ظهر لاحقاً هذا التوجّه بصياغاتٍ موسيقية كثيرة نذكر منها على سبيل المثال متتالية البيانو (لوحات من المعرض) للمؤلّف الموسيقي موسورسكي التي صاغها بتوليفةٍ أوركسترالية المؤلّف الموسيقي الفرنسي الشهير موريس رافيل.
المؤلّف الموسيقي اللبناني أحبّ أن يختتم أمسيته الموسيقية في قاعة رحمانينوف في كونسرفتوار تشايكوفسكي بهذه القطعة المميزة المذكورة أعلاه والمذيّلة بأصداء واسعة جداً، لكن بعد تقديمه أعماله من موسيقى الحجرة: سوناتا الكمان، متتالية الفلوت، وسوناتا البيانو، وسواها.
الأسلوب الموسيقي للمصري يتميّز بلمسةِ الحداثة التي تمزج العمق العربي للموسيقى مع أفكار البناء التقني المعاصر العالمي بخصوصيةٍ كاملة وجليّة لأسلوب المصري. غير أنه منح “لونغا” رياض السنباطي لمسةً ديمقراطية سمعيّة بتعامُله مع المصاحبة الهارمونية- البوليفونية، ذي الطابع “المودالي” Modal المنسجم مع مقامات ألحان هذا العمل، وهنا أبدع حين زوّدها بزخمٍ ديناميكي رشيق ومتباين في فقراتها المتعدّدة: من الرومانسيّ، إلى الدراماتيكيّ، إلى الانطباعيّ، ولم يخُن روحية المزاج العربي، ما يُحسَب له قبل كلّ شيء وأيّ شيء.
ختاماً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الأداء الساحر للعازفَين الروسيَّين يفغيني سترادوبتسف (بيانو) وإلييا روداييف (كمان) المتميز رفع هذا العمل إلى مرتبة وقيمة الأعمال العالمية لآلتَيْ البيانو والكمان.
صار من الممكن الاستماع إلى هذا التسجيل اليوم من ضمن مؤلّفات مهمة للمؤلّف عبدالله المصري في منصة “يوتيوب”.
*هالة نهرا: ناقدة موسيقية وفنية وكاتبة وشاعرة لبنانية.
هالة نهرا