ميزان الزمان
  • الصفحة الرئيسية
  • امسيات
  • قصائد
  • شهرياد الكلام
  • ومضات وأدب وجيز
  • حكاية و قصة
  • مسرح
  • للمساهمة في النشر اتصل بنا
لا نتيجة
عرض جميع النتائج
ميزان الزمان
لا نتيجة
عرض جميع النتائج
 
د. قصيّ الحسين يقرأ كمال جنبلاط في كتاب المؤلفين شادي منصور وعبد الحليم حمود الصادر حديثا عن ” زمكان “ 2025/05/21
طارق آل ناصر الدين ديوانا : قصائد ضاحكة ( الجزء الثاني ) … قراءة للكاتب د. قصيّ الحسين 2025/05/19
” مرايا القمر ” نصوص نثرية للكاتبة الكويتية عالية شعيب 2025/05/15
التالى
سابق

ندوة في الزاهرية حول كتاب ” أنطاكية بين أزماتها وشعبها الحيّ ” للمؤلف شفيق حيدر

ندوة في الزاهرية حول كتاب ” أنطاكية بين أزماتها وشعبها الحيّ ” للمؤلف شفيق حيدر
منصة: قضايا ثقافية
07/04/2025

مساء السبت 5 نيسان 2025 ، أقيمت ندوة حول كتاب الأستاذ شفيق حيدر
” انطاكية : بين أزماتها وشعبها الحيّ”
في فاعة كاتدرائيّة القديس جاورجيوس الأرثوذكسيّة، الزاهريّة، طرابلس.

تحدّث في الندوة المهندس جورج خوري، والأستاذ رينه أنطون، والدكتور جان توما وتخللها كلمة للمؤلف الأستاذ شفيق حيدر وأدارتها الكاتبة والشاعرة الدكتورة ساندي عبد النور .

د. ساندي عبد النور خلال الندوة

كلمة المؤلف :

وكان الأستاذ شفيق حيدر قد وقّع كتابه للحاضرين بعد انتهاء الأمسية التي قال خلالها :

مرماي أن أنقل تعليما

خضوعًا لأحبّة كتبت “أنطاكية بين أزماتها وشعبها الحيّ”. وما قصدت تأريخًا ولا سرد حوادث ولا نقل خبرات.
مرماي أن أسجّل تعليما وصلني من مدرسة احتضنتني منذ الفتوّة هي حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة. ونقلتْ لي ولأتراب كثر وعي ماهية الجماعة المؤمنة الواحدة الحيّة في الكنيسة،
تعلّمتُ أن الجماعة، إكليروسًا وعواما، قد أعطى الله تعالى كلّ فرد منها مواهب خاصّة. فتعددت القدرات لأجل تكميل القديسين بعمل الخدمة لبنيان الكل.
تعلمت أن الأحديّة غريبة بالكلّية عن روح الكتاب العزيز وضمير الكنيسة. تعلّمت أن الكاهن أو الراعي مسؤوليّة تخصّ الجماعة كلها. تعلّمْتُ أن ليس الكهنة نقلة الأسرار وحسب. وليس العلمانيون مجرّد متقبّلين للنعمة التي يعطيهم إياها الكاهن. السرّ المقدس هو عمل الجماعة، اكليروسًا وعلمانيين،. والأساقفة والكهنة ليسوا كهنة بذواتهم إنما وسظ الجماعة كلّها، لا فوقها، لأنهم جميعا جسد واحد. هكذا تكون الشّركة.
وما تضمّنه الكتاب من حوادث سردتها إنّما يعبّر عن هذا التعليم الذي قصدتُ أن ينتشر في رحابنا، ويعيَه المؤمنون مسؤوليّة تكلّفهم الجد والدرس والتعب والجهاد والتبليغ ووقف الحياة. وليس هو جاهًا ولا موضوع ترفّع وافتخار.


بيّنتُ القصد ولم يبق إلا الشكر للمشاركين في هذه الأمسيّة جميعا. ورجالي أن يعمّ الوعي ونتحوّل كلّنا إلى إلى جوق متينةٍ وحدته، ومتسجمٍ تناغمه،يسبح الله بخدمته ومعرفته والتزامه


أشكر أيضا مجلس رعية طرابلس على سماحه لنا بالتلاقي بإمامة آبائنا المعلّمين ابراهيم وجبرائيل وإبراهيم. وأخيرا أخص بالشكر السادة المنتدين والمنظّمين.
ومعهم لا أنسى الصديق الأخ مانولي سابا ، الحلبي القبرصيّ، الذي جهد في ملاحقتي وحثّي وساهم في تمويل مشاريع الطباعة. كما اسجل امتناني لتعاونيّة النور الأرثوذكسية للنشر والتوزيع على تبنّيها الكتاب. اللهمّ مكّنّا من الأعمال الصالحة لنعلن بها حلاوة إيماننا. والسلام. .

رئيس حركة الشبيبةالأرثوذكسيةالأستاذ عيسى زويتيني في صورة تذكارية مع المشاركين في الندوة .

 كلمة الأخ رينيه أنطون :

كنتُ من الذين يتردّدون إلى تلك الغرفة في مدرسة مار الياس – الميناء. كانّ الشوقُ إلى الدردشاتِ المفتوحةِ، هناك، على الأمْداءِ الأنطاكيّة يَغلُب كلَّ شوقٍ وأولويّةٍ واهتمامٍ لديّ. 

كُنت قد أدمنتُ ذلكَ الانفعال المُتصاعدِ منها، وأدْمَنَت أذُناي الصوتَ، فيها، بما يبثُّه مِن تعليمٍ ويُطلِقُه من مواقف. كانت الغرفةُ، بما تختزنُه من أنفاسٍ كنسيّة، الرئةَ التي بها نتنشّق همومَ أنطاكية وقضاياها، لتجاورَ الهواءَ في أجسادنا والدمَ في عروقنا، وتمتزجَ بما تُبَحُّ به أصواتُنا. 

أمّا شفيق حيدر، صاحبُ الصوت وسيّدُ الغرفة آنذاك، فكانَ سفيرَ تلك الهموم والقضايا إلينا. عرفناه قائدًا، أخًا كبيرًا، إبنًا، يُحوِّشُ همومَ العائلةِ الكُبرى، عائلةِ المسيح، لا ليأسرَها فيه، بل ليفحصَها ببصيرتِه الكتابيّة، ويصهَرَها بنارِ غيرتِه البَنَويّةِ، ويناولَنا إيّاها صرخةً من فمِ كاهنٍ ملوكيّ مُسامٍ بيدِ الروح في جرن المعموديّة. 

علّمَتنا حركةُ الشبيبة الأرثوذكسيّة أنّ ما مِن عناية بيسوع بغيرِ العناية بما يخصّه في الأرض. والكنيسةُ، في تعليمِ بولس، جسدُه، وفي تعليمِ يوحنّا جماعةٌ خاصّتُه، وفي كلمات متّى مِعبرُ الناس إلى ملكوت أبيه. وفي ما تستخلصُه ممّا استوحاه المؤلِّف في كتابه، مِن تعليمِ الرسول، فهيَ مطرحُ التناغم بينَ عطايا الروح الموزَّعة على الأبناء. 

وعلّمتنا الحركةُ ما به تستقيمُ كلُّ ترجمةٍ في المسيحيّة ويكمُل التعليم. فما من قبولٍ لحبِّ السيّد وفدائه لنا، وما مِن وفاءٍ له، بغيرِ أن ننصُبَ في عيونِ الناس مجّانيّةً تَمهُر عنايتِنا بكنيسته، منسلّةً إلينا من تلك الأخّاذةِ المطبوعَة في وجهه المعلّق على الصليب. لذلك ترانا لم نستسِغ يومًا ما يعلو مِن حناجرَ هواةِ النفوذ والطوائفِ، بين حينٍ وآخَر، مِن منطِق حقوقٍ فيها وواجبات. 

فنحنُ منحازون إلى منطِق الكنيسةِ الدُرّة، الجسدِ المتحرّك بيسوع، على إيقاعِ نبضِ أعضائِه، إلى قلوبِ الناس وقلبِ التاريخ، الكنيسةِ التي مدَّها بولس بندلي بجسدِه عرشًا يعتليه البُسطاء، والتي، بكلمات الأستاذ شفيق، “الأحديَّةُ فيها غريبةٌ بالكُليّةِ عن ضميرِها وروح ِكتابِ سيّدها، ولا يحتَكِر أحدٌ، فيها، الروحُ، ولا يهمِّش رئيسٌ مرؤوسًا ولا وجيهٌ مؤمنًا”.

خلاصتُه، نحن مُنحازون إلى الكنيسةِ التي الكلُّ فيها واحد لأنّ الجميعَ يأتي من واحد هو المسيح، “والكلّ فيها مسؤولٌ عن كلّ” حسبَ تعبير البطريرك هزيم. كنيسةُ المزهوّين بالفداء، الباحثين ليسَ عن حصصٍ ومواقِع، فيها وباسمها، بل عن سبلِ وفاء. 

مطبوعًا بتلك المجانيّة، موسومًا بهذه المسؤوليّة، عاشَ شفيق حيدَر “أنطاكية بين أزماتها وشعبها الحيّ”. عاشَها، فكَتبها بالعُمرِ وليس بالحِبر وحسب. أمّا ما كُتِب، فيُضافُ له، إلى ما ذكرَه هوَ من أسباب، ما تقودُكَ إليه حروفُ الكتاب، وهوَ لئلّا ننشَدَّ في كنيستنا، بعدَ اليوم، إلى إغراءات الانقسام الدنيويّة بَدلَ أن نستذوقَ ثمارَ الوحدةِ الخلاصيّة، ولئلّا يَدفُن غُبارُ الزمن حيويّةً إنجيليّةً طبعَت حياةَ كنيستِنا في الأمس، فيصيرُ ما جنحَنا بها إليه، اليوم، هو تقليدُها في الغد. وأعني به ما ذكرَه المؤلِّف مِن اعلاءِ شأن الفرديّة والتسلّط والأمزجة الشخصيّة على الشركويّة والقوانين فيها. فهوَ الأمر الذي لا يعكِس، في قناعتي، تسلّطَ موهَبةٍ ووظيفةٍ في الكنيسةِ على أخرى، وإنّما تسلّطَها على الأخوّة فيها. فكلّنا يعلم أنّ في كنيسة يسوع، ليسَت هناك وظيفةٌ، أيةً كانت خصوصيّتُها، ترفَع صاحبَها فوقَ جماعة الأخوة لأنها مُستمَدّةٌ من كونه أخًا، عضوًا، في هذه الجماعة، أوّلًا.

في كتابِه، لا يحكِي شفيق حيدر أحداثًا وتاريخ بل هذا الهمّ. يحكيه تعليمًا وتحذيرًا وأبعادًا وترجَماتٍ وأزمات، مذكرًا أنّ القوانينَ، ضابطَةَ الليّاقة والترتيب في الخدمة، هي مطارحُ حوارٍ ونقاشٍ وتواضع أيضًا، مُستَشهِدًا بقدّيسين وآباءٍ ومجامِع، شارحًا، خطوةً خطوة، وبمشاهدٍ تجسيديّة حيّة، أحرفَ “الكهنوت الملوكيّ”.

مشاهدٌ فيها ما يقول إنَّ أنطاكيّة، إنْ استساغَت الشركويّةَ والتواضعَ مرّةً، كانَ أنْ لفظتهما مرّات ومرّات، وأنّ القوانين، نصًّا وتنفيذًا، لطالما كانَت أزمتُها الشائكة. وهذا ما يذكّرني بقولٍ للصديق الدكتور جورج غندور “بأنّ كلّ القوانين، ما بعدَ تعريب الكُرسيّ الأنطاكيّ، كانَت إمّا لحلّ أزمة وإمّا لتلافي أزمة وانقسام”. وهوَ ما أُضيف إليه أنّها كثيرًا ما تراوَحت بين الفِعلِ وردّ الفِعل.

فمثالاً، وبحجّةِ معالجة الفَصلِ في قوانينٍ سابقة بين الزمنيّات والروحيّات، ووجوهِ السطوة العلمانيّة فيها، نرى، عبر الكتاب، أنّ الشركة والشورى في أنطاكية انحدرتا مِمّا منحته قوانينُ الأعوام 1928 و1929 و 1955  للمجالس المليّة مِن صلاحياتٍ كالمراقبة المالية، والمشاركة في إيجاد الأشخاص المؤهّلين للكهنوت، وترشيح البطريرك والأساقفة، والتشريع في معظم الأصعدة، وتعديل أبرشيّات وإنشاء أبرشيّات، والغاء اتّفاقات يعقدها البطريرك والمطارنة في حال مخالفتها للقوانين، إلى ما لا يتعدّى، بعدَ التعديلات في قانون 1972، الحاليّ، معاونةَ الكاهن والأسقف، ويَحجُب كلَّ بُعدٍ  تشاركيّ، ومدى وحدويّ، حقيقيّ في الكنيسة، ويُبطِل ما ارتجاه مؤلِّفُ الكتاب، وغيرُه، من هذا القانون، مِن معالجاتٍ واصلاحات.

إنّه واقع مؤلم يلفتنا، في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة خصوصًا، إلى أهميّةِ تقييمِ دورِنا ومسؤوليّتنا، على هذا الصعيد، بمنظارٍ نقديّ جريء، والتفكيرِ، مع غيرنا، بأسسٍ نقترحُها لنظامٍ جديد.

نظامٌ يعالج السببَ العميق لقضمِ الحال الشركويّة في حياة كنيستنا والذي حقيقتُه هي  ما نقلَه المؤلّف عن إجابةِ بعض السادة الأحبار من “أنهم لا يخضعون إلا للانجيل الذي ينحنون تحته لمّا يُسامون، ولا يعرفون إلّا الروح القدس قائدًا وآمرًا”.

الأخ الأسناذ رينيه أنطوان

فإلى الجواب الشافي للمؤلِّف والقائل “أن الانسانّ، أيًا كان، خطّاء، وأنّ الخطيئة، حين ارتكابِها، تعطّل فعل الروح القدس”، وإلى كونِ أنّ الاصغاء للجماعة هوَ، في يقيني، وجهٌ من وجوه الاصغاء للروح، وأنّ في كلّ ومضةِ وداعةٍ انحناءةٌ أجمل للانجيل، أستحضرُ اجابةَ كوستي بندلي لي، يومًا، عن سؤالٍ بهذا الخصوص “بأنّ الرؤساء، في الكنيسة، مهما بلغوا من الاخلاص والطُهر، يحتاجون إلى صوتِ جماعة يبثّ في آذانهم أثيرَ نبوّةٍ يصونُهم من الضعفات والأخطاء والانجذاب الى سحر السلطة ليبقوا راسخين في ولعِهم بالانجيل”.

ويبقى الأجمل في جولةِ شفيق حيدر بنا في أنطاكيّة التاريخِ والشعبِ والمجامعِ والأزمات، شعبٌ، كلّما تحرّكت أزمةٌ في كنيسته، تحرّكَت أحشاؤه معها. بادرَ، اجتمعَ، صرخَ، اعتصمَ متضرّعًا، وأطاع. جورج خضر، كاهنٌ مفقود، ينقطع إلى الصلاة في كنيسة الصيّادين حراسةً للحقّ والسلام في كنيسته. الياس معوّض (البطريرك لاحقًا) شمّاسٌ يلوي الحديد السميك ويقتلعُه إنقاذًا لتلاميذ المدرسة الأرثوذكسيّة في حمص من حريقٍ مُفتَعل.

ورسلٌ رحالة، ينتقلون، وسطَ الأزمات، من بعيدٍ إلى بعيد، في زمنٍ  يصعُب فيه، ولا يَسهُل، الانتقال. تراهم سفراء، ليس لحركةٍ، أو لمرجعٍ وإدارةٍ، إلى مكان، وإنّما للإنجيل إلى كلّ مكان. مُرسَلون، هم، مِن مؤمنيـن بالحقّ، هنا، نُصرةً لمؤمنين بالحقّ هناك، مِن الأمانة للمسيح إلى حيث قد تكونُ، في الكنيسة، مساوَمة، مِنَ الوحدة إلى حيث قد يكون انسلاخ، من المحبّة إلى حيث قد تكون أحقاد، من سلامة التعليم إلى حيث قد يكون شَطط، ومِن عُلّيات الصلاة والصوم إلى حيث قد يقوى شرٌّ ويسودُ يأس. يتقوّون في ترحالهم ممّن يقوى عليهم في الايمان، ويُقَوّون مَن يَضعُف. يتعلّمون ويُعلّمون، ويعودون بخبرة الكنيسةِ هناك تحصينًا للكنيسة هنا من الأزمات.

في عودته، يروي شفيق حيدر، المُرسَل إلى اللاذقيّة وقتَ ذروة الأزمات: “قضيت النهار كلّه في اجتماعات وصلوات، ومنّ الله عليّ أن أعيش، بفضل المعتصمين، خبرةً علّمتني الكثير وشدّدت إيماني وأذكت حبّي لأنطاكيّة… ونقلتُ للأخوة في لبنان ما رأيت وسمعت واختبرت. فرحوا واطمأنّوا وبدورهم كثّفوا التضرّعات ليدومَ الوجدُ ويسلمَ القطيع”.

فأيضًا، في هذا الكتاب، نقلتَ لنا أيهّا الأخ شفيق، ما زادَنا معرفةً، ورَسّخَنا في الشخوصِ، فقط، إلى وجهه في كنيسته، وأذكى ولعنَا بها، وأعادَنا، بعدَ غياب، إلى تلك الغرفةِ مُنتَشين بعُطرِ الروح في تاريخٍ عزيز، مستمدّين الزخمَ من كبارٍ فيه لنَصرُخَ، وتصرخَ الأجيال، بأنطاكية جديدة، اليوم، مِن جديد. أنطاكية “لا تطغى فيها علمنة دنيويّة دخيلة ولا سلطويّة إكليريكيّة دخيلة” على قول المطران جورج خضر، أنطاكية لا أزمات فيها، بل ما يُفرح المسيح من شعبٍ ووحدةٍ ونهوضٍ وحيويّةٍ وحبّ. وهذا، على الرجاء.

مداخلة د. جان توما في الندوة :

.. وتحت عنوان ” قراءة في سرديّة النص الحركي ” حاضر د. جان توما ، وقال :
تردّدت في مضمون مداخلتي حول كتاب ” أَنطاكية، بين أزماتها وشعبها الحيّ” (1958-2012)، الصادر عن تعاونيّة النّور الأرثوذكسيّة، 2024، وهو، على الرّغم من أزماته، يبرز طيب حيويّة شعب أنطاكيّة في لصوقه بقضايا الكنيسة؟ لكن لما قرأت إهداء المؤلف لي بقوله:”إلى من رأيتهما قبل أن” ينويا” و”يصيرا”، أقاما على “الحبّ” و”الوفاق”، و”بنيا” “مملكة” “أنعم” الله عليهما بـ”خبرة محبة” ولد الولد، أقدّم لهما هذا الكتاب، وأدعو لمملكتهما دوام “العزّ””، لحظت بعين الاختصاص مفردات؛ النيّة والصيرورة والحبّ الوفاق والبناء والنِعَم وخبرة المحبة والمملكة والعزّ، فرأيت أن ألج الكتاب من باب” قراءة في سرديّة النصّ الحركيّ“، حركة الشبيببة الأرثوذكسيّة منذ عام 1942، فأسلوب المؤلّف كما أساليب من اغتذى من المعجم الأدبيّ الحركيّ، واغترف من لغة المطران جورج خضر وتراكيبه، خارطة طريق للباحثين في عالم الأدب السرديّ التاريخيّ. ومن هنا نبدأ بالإشكالية: هل كان شفيق حيدر، في كتابه، راويًا أو روائيًّا؟ هل كان كاتب سيرة ذاتيّة أو سيرة غيريّة؟ هل أحيا شفيق حيدر النصّ التاريخيّ بلغة أدبيّة، أو أعلن موت المؤلف، كما عند الناقد الفرنسيّ رولان بارت،  ليتمكّن القارىء كمؤلّف جديد من رسم ملامح صورة المسيرة النهضويّة في مسيرتها الراهنة، أو أنّ النصّ عنده حيّ كما ذهب إلى ذلك الناقد الروسيّ ميخائيل باختين؟ ماذا لو أعاد البعض صياغة ما ورد من مضمون الكتاب بلغاته ورؤآه ومواكباته لأحداث الكرسي الأنطاكيّ؟ وبالتالي هل تعني أحداث الماضي شيئًا لرعيل النّهضة في الرّبع الأوّل من القرن الحادي والعشرين؟
لقد وفّق المؤلف في سرديته التاريخيّة في رسم ملامح مرحلة لم يُرِدْ أن تغيب يومًا عن الذاكرة الأنطاكيّة المعاصرة، التي كانت الحركة من صانعيها، ربّما، أو مشارِكَةً في صناعتها، ولكن هل استفادت القيادة الحركيّة، بعد ذلك، من هذه التجربة؟ هل تعمل الحركة اليوم على وضع الرؤى الأوّلية للقضايا الكنسيّة اليوم؟ كيف يتمّ تأكيد الهمِّ الحركيّ في  كيفية استنهاض الأزمات الكنسيّة أبناءَ الكرسيّ الواحد في مختلف الأبرشيّات في غياب تنفيذ القوانين الجامعة، كما يشير المؤلف؟ من هنا ينبري الوعي في فهم المبدأ الأوّل من المبادىء الستة، أي ” حركة روحية” ” لسائر أبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة” مستفيدين من مواهب أبنائها وتنوّعها؟
ما يذهب إليه شفيق حيدر في نصوصه هذه، هو ممارسة النظريّة البلاغيّة والإبلاغيّة وأسلوب ” تجاهل العارف”، فإذا كان أجمل التاريخ يكتب غدًا، كما يقول سعيد عقل في قصيدته” مُرَّ بي”، فشفيق حيدر كتب بالاستنتاج قبل أن يكتب بالتقديم والتعريف والتوسّع والتحليل. هذا ما يلتقي سينمائيًّا مع ” الفلاش باك” أي “نظريّة الاسترجاع”. هو يسترجع، ولكن بعين النتائج وليس بعين المسبّبات، فإن كتب، فهو يكتب بمحبرة الخلاصات قبل الانطلاق، أو بما نسميه التداعيات قبل الإرهاصات. يعبّر أسلوب شفيق حيدر في هذا الكتاب عن مَسْرًدٍ ذاتيّ وإن حكى مسردًا جماعيًّا، قد يختصر الراوي رأي الجماعة ولكنّه لا يخفي رأيه خلفهم، بل يتقدّمهم في إعلاء الصوت، صحيح أنّ الجمع قائم في هذا الكتاب بين الرّاوي والرّوائيّ، ولكنه جمع لحقيقة تاريخيّة ولو غَشَتْها عاطفة من هنا، أو شعور إيجابيّ من هناك، نتيجة الغَيرة والأمل، في بعض مفاصل النّصوص.
أدّى مفهوم ” المكان” دوره بامتياز في كتاب شفيق حيدر، إذ لم يعد المكان محدودًا في مَجريات الأحداث الأنطاكيّة، بل كان “المكان” هو المسكونة الأرثوذكسيّة، إذا صحّ التعبير، وكما الوحدة تتجلّى في الكأس الواحدة، فكذلك تتجلّى الوحدة الأنطاكيّة في الترفّع عن” المكان” الماديّ إلى “المكان” المنشود، وهي فكرة دفعت الفيلسوف الفرنسيّ غاستون باشلار في كتابه “جماليات المكان” إلى تحديد القيمة الإنسانيّة لأنواع المكان مبيّنا “أنّ كلّ الأمكنة المأهولة تحمل جوهر فكرة البيت، ويعتبره كونًا حقيقيًّا بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، فالإنسان يختلق لنفسه بيتًا، ويصمّم له جدرانًا، ويعيش تجربة البيت بكلّ واقعيتها وحقيقتها من خلال الأفكار والأحلام”، ألم يجري تعبير”بيت الله” في أدبيات حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة؟ شفيق حيدر خرج من “المكان” إلى “المكان”، وبثّ فكرة” الزمكانيّة” التي هي حاضرة في كلّ وقت، لأنّ الزمان والمكان واحدٌ في الكنيسة، فالمسيح هو هو اليوم وأمسِ وغدًا، والمكان ثابت عند المؤمن، فالراهب مثلًا يقف وحيدًا أمام الرّب، ولهذا فإنّ صومعته هي عكس الدير، وَيَشِعُ من هذه الصومعة العزلة المركّزة، كونٌ من التأمل والصلاة، هو واقف  في كون خارج الكون، أو مكان خارج المكان، وهذا ما حاول شفيق حيدر إيضاحه في سرديّته الهادفة والمؤرشِفةِ، ملتقيّا مع فكرة مفردة “الفضاء” عند المغربيّ غالب هلسا، مميّزًا بين “المكان الواحد” المستعاد و” الفضاء” الإنطاكيّ على مِساحة العالم.
هذا “الفضاء” الأنطاكي تجلّى مع تقديم سامر لحام وهو في كندا “آخر الدني”، ومع مانولي سابا في قبرص،” أقرب الدني”، ولكنّه في المكان الواحد مع شعب أنطاكية الحيّ في الكأس الجامعة، التي لا يحدّها مكان أو زمان، وبالتالي التاريخ الكنسيّ هام، وهذا الكتاب يأتي ليسدّ ثغرة في هذا الانفصام الكنسيّ بين التاريخ والحاضر، مثلًا هل من كتب تسرد لوائح البطاركة أو مطارنة الأبرشيّات ورجال النهضة مع ترجمة لهم موثّقة بالعودة إلى مصادر ومراجع.؟ من كَتَبَ في تاريخ الكنيسة بعد أسد رستم، وهو صاحب عبارة” إذا ضاعت الأصول ضاع التاريخ”؟. إنّ كتاب شفيق حيدر يوثّق محطات تاريخيّة من عهد المثلث الرحمة ثيودوسيوس السادس إلى المثلث الرحمة أغناطيوس الرّابع، ونحن بحاجة إلى أرشفة لوائحِ البطاركة والمطارنة والكهنة الأعلام ورجال النهضة لتأمين مرجع علميّ أمين يسهم في وضع الكتب لمنهجيّة علميّة مطلوبة اليوم في عالم التأليف والنشر.

د.جان توما


وبالعودة إلى عنوان الكتاب ” أنطاكية، بين أزماتها وشعبها الحيّ”، وهو عمليا جزء ثان لسرديّة أحداث انبرى لها المؤلف في كتاب سابق. إنّ عنوان هذا الكتاب هو حاضريّ، بمعنى أنّ العنوان يشير إلى الأصالة في التسمية” أنطاكية”، والإرث الاجتماعيّ” الأزمات” ، والثروة الملكوتيّة ” الشعب الحيّ“، ولكن أيُّ شعب؟ ” شعبها” أي شعب مدينة أنطاكية بالمعنى الروحيّ، وليس بالمعنى السوسيولوجيّ الانتمائيّ الظاهريّ، أما في الجزء الأوّل “صفحاتٌ أَنطاكيّةٌ: تاريخٌ منثور بين الكلمات والسطور”، نسجّل أمرين:  الأوّل حرص المؤّلف على استخدام  مفردة “صفحات” من دون “أل التعريف”، يعني أنّه ما زال في جعبته صفحات أُخَر، وقد ظهّرها في هذا الكتاب، والثاني أنّه حرص على عنونة الكتاب بأسلوب العرب ليؤكّد هويّة أو انتماء إلى مدينة الله العظمى، إضافة إلى اعتماده السجع ما بين “منثورْ” و”السطورْ”،  كعادة مؤلّفي التراث العربيّ، على نسق “المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر” لابن كثير،  و”تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” لابن بطوطة وغيرهما، مع ملاحظة سيميائيّة أو إشاريّة إشهاريّة من استخدام المؤلّف اسم المفعول: “منثور”، لعلّه قصد ما جاء في المعاجم:  “نَثَرَ الأَقْلاَمَ” : رَمَاهَا مُتَفَرِّقَةً. و”نَثَرَ السِّرَّ”: أَفْشَاهُ، “و”نَثَرَ الدَّمْعَ” : سَكَبَهُ دَمْعَةً دَمْعَةً، قال ميخائيل نعيمة: “فَلْيَنْثُرِ الدَّمْعَ مَنْ في عَيْنَيْهِ دَمْعٌ”. لعلّ شفيق حيدر ميّال إلى نعيمة، فكتب أزماتِ أَنطاكيّة بمحبرة عيون شعبها الحيّ و… دموع قلبه.


الأستاذ شفيق حيدر مع د.ساندي عبد النور خلال احتفال التوقيع والندوة في الزاهرية

المقال السابق

د. قصيّ الحسين يقرأ زياد كاج في ” سحلب ” : تفتح الوعي

المقالة القادمة

د. قصيّ الحسين يكتب في ميلاد الشاعرة ميراي شحاده : متحف العطاء

اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انضموا إلى أصدقاء الموقع على فيسبوك :

ميزان الزمان

محتوى إعلاني:

ADVERTISEMENT

ذات صلةمقالات

دلال قنديل : ” قناع بلون السماء ” ل باسم خندقجي ،  تاريخ زاخر بالذاكرة وجرأة المواجهة في حبكة جمالية الخلق والابداع
قضايا ثقافية

دلال قنديل : ” قناع بلون السماء ” ل باسم خندقجي ، تاريخ زاخر بالذاكرة وجرأة المواجهة في حبكة جمالية الخلق والابداع

30/04/2024
” مئة عام من العزلة ” لغابرييل غارسيا ماركيز ، رواية إلى مسلسل تلفزيوني من 16 حلقة
قضايا ثقافية

” مئة عام من العزلة ” لغابرييل غارسيا ماركيز ، رواية إلى مسلسل تلفزيوني من 16 حلقة

26/04/2024
المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تمنح الدكتورة ماريز يونس درع الإلكسو في القيادة والريادة
قضايا ثقافية

المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تمنح الدكتورة ماريز يونس درع الإلكسو في القيادة والريادة

23/08/2023
بروتوكل تعاون بين معهد العلوم الاجتماعية وجمعية عاهدة البيسار .. العميدة مارلين حيدر : 250 ساعة تدريبية للتعلّم في مركز الجمعية
قضايا ثقافية

بروتوكل تعاون بين معهد العلوم الاجتماعية وجمعية عاهدة البيسار .. العميدة مارلين حيدر : 250 ساعة تدريبية للتعلّم في مركز الجمعية

05/07/2023
كفرمتى تكرم المؤسس للأدب الوجيز الأديب أمين رفيق الذيب
أدب وجيز

كفرمتى تكرم المؤسس للأدب الوجيز الأديب أمين رفيق الذيب

04/07/2023
حبيب يونس يقرأ ” رمادٌ أزرق ” للشاعرة د.  لارا ملاك ويدعو إلى مصطلح ” الخطيفة ” وإدخال الايقاع بالأوزان والتفعيلة والقافية إلى  نثر ” الومضة والأدب الوجيز “
قضايا ثقافية

حبيب يونس يقرأ ” رمادٌ أزرق ” للشاعرة د. لارا ملاك ويدعو إلى مصطلح ” الخطيفة ” وإدخال الايقاع بالأوزان والتفعيلة والقافية إلى نثر ” الومضة والأدب الوجيز “

24/06/2023
المقالة القادمة
د. قصيّ الحسين يكتب في ميلاد الشاعرة ميراي شحاده : متحف العطاء

د. قصيّ الحسين يكتب في ميلاد الشاعرة ميراي شحاده : متحف العطاء

لا نتيجة
عرض جميع النتائج
  • الصفحة الرئيسية
  • امسيات
  • قصائد
  • شهرياد الكلام
  • ومضات وأدب وجيز
  • حكاية و قصة
  • مسرح
  • للمساهمة في النشر اتصل بنا