كوروم مونبلييه
يقف مبنى كوروم- مونبلييه، شامخا فوق محطة الترام المتميزة بمقاعدها وبالزوايا والمفارق والشوارع، التي تطل عليها.
مبنى شاهق عصري مهيب. مؤلف من ثلاث طبقات. له واجهتان، وحدة إلى جهة الشرق والشمال. والأخرى إلى جهة الغرب والجنوب. لا تفارقه الشمس طيلة النهار. وبجانبه إلى اليمين، وأنت تأتيه من ساحته المتصلة بكوميدي، يتعالى سور المدينة القديم وقلعتها. وهي من أولى القلاع التي بنيت داخل المدينة القديمة. تظهر في السور مرامي السهام وجدران غرف الحراسة المتهدمة. ذلك السور الذي يصون اليوم مبنى الكولاج. وهي أهم كولاج في مونبلييه، وبعض المباني الأخرى، ذات الأهمية التاريخية.
في طبقات مبنى الكورم، يقع المسرح العصري للمدينة. وقد شغلت طبقاته الأخرى، دوائر البلدية ودوائر الدولة. وهو يعتبر أهم مبنى تاريخي، حولته البلدية، إلى مبنى عصري، سواء لجهة إدخال الواجهات الزجاجية عليه، أو لجهة ترصيعه بالبلاط المميز ذي اللون البني. والذي يتراءى من بعيد، وكأنه قطع من معدن البرونز المعتق،الذي يوحي بالقدامة. وهذا بحد ذاته، يمنحه هيبة تاريخية جميلة و محدثة.
وأمام الكوروم، تمتد حديقة عظيمة. تتصل بساحة كوميدي. وهي من أقدم حدائق المدينة. تحيط بها أشجار الدلب الشامخة المتعالية. وتحتف بها المباني القديمة. حيث مقاهي الحديقة. يؤمها المتنزهون، ويأخذون فيها قسطا من الراحة.
وأما محطة الترام، فهي تؤمن التواصل مع جميع الجهات: شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. بحيث تبدو محطة مركزية مخصصة لترامات المدينة. ولا توجد في المدينة محطة للترام مركزية غيرها.
بجانب الكوروم، تقع محلة البوزار. ذات المباني التاريخية التي تعود إلى عصر النهضة. أو قل إلى أواخر القرن الثامن عشر، وأوائل القرن التاسع عشر، حتى بدايات القرن العشرين. وهي تطل على الكاتدرائية التي بنيت في القرن الثالث عشر. بالقرب من محلة “جي دي ميل دي أبييه”. وتعتبر بحق، من أهم كاتدرائيات مونبليية الشهيرة. مزينة ومزخرفة وجميع حجراتها ورسوماتها، معتقة.
وعلى كتف الكوروم، حين تأتيها من جهة “البوزار”، يقع مبنى “ألجورا دي لا دنص”. وهو مبنى قديم للغاية. يحتل مكانة مرموقة في تاريخ المدينة. وهو يتصل بالمدينة بأسواق وفنادق إشتهرت عبر تاريخها القديم. وبدا فوق الطريق الذي يصل إلى المستشفى الذي بني في الحقبة الزمنية نفسها، وكأنه أثر حضاري مهيب. من خلال الحجرات ومن خلال الأقواس، ومن خلال الباحات، ومن خلال الدروب والأدراج التي تحيط به من كل الجهات. وإلى جانبه مبنى جميل للغاية، على النموذج الأندلسي في إشبيليه وغرناطة وهو يقع على تلة قبالة الكوروم. وأمامه حديقة جميلة للغاية، فيها بعض النصوب التي تدل على محتواها الفني القديم. وبالمناسبة، فإن قصر إل كرامي بطرابلس -لبنان، الذي يقع على تلة كرم القلة، قد إحتذاه. فجاء في صورته الخارجية، وكأنه نموذج له، أو نسخة قريبة منه. بحجارته المعشقة وألوانه الفخارية، والبيضاء الكلسية.
بجانب ساحة الكوروم، يقع المتحف الفني. تقام فيه المعارض الفنية. ويستقبل الزوار في أيام مخصوصة. وهو يشغل عدة طبقات. خصصت فيه صالات التكريم والإحتفالات والعرض، لمشاهير الفنانين والرسامين والتشكيليين. وفيه جرى تأبين الرسام سولاج، من سيت- sète، وكان قد تخرج من كلية مونبلييه للفنون الجميلة والعمارة.
ساحة الكوروم، تجري فيها اليوم أعمال الصيانة والتحديث. يراد لها أن تكون درة الساحات في مونبلييه. فهي تشكل إمتدادا طبيعيا لساحة كوميدي، ولساحة بوليغون، حيث تمدها هذة السوق الحديثة، بعدد هائل من الزائرين والوافدين إلى المدينة. فعلى كتفي ساحة كوروم، تقع الأسواق القديمة والحديثة. ولهذا فهي تجمع بين القدامة والحداثة.
تتلاقى إذن، ساحة الكوروم، بالساحتين الأخريين: ساحة البوليغون وساحة كوميدي. وتتشكل من وحدة الساحات الثلاث، مساحة عظيمة للسياحة والإستجمام. وكذلك للمهرجانات والأعياد . ولا غرو، فمونبلييه، مدينة عريقة، يعود تاريخ بنائها إلى العصور الوسطى. وقد كانت ومازالت، معبر المسافرين من الجنوب الفرنسي، إلى برشلونة ومدريد في الأندلس. ولهذا تراها دائما، مدينة متجددة عبر العصور.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.