شمس مونبلييه
الميلاد للشمس في مونبلييه، وليس للعواصف والصواعق والبروق والرعود.
تلبس الشمس مع الشروق حلتها الذهبية وتلون رؤوس الأشجار والروابي. تلون الشفق بالذهب. وتجعل الميلاد للجمال وللفرح. وللشواطئ التي تغرد فيها الطيور، وتتسابق إليها أسراب البجع الأحمر، قوافل قوافل. تنغمس في الماء، تتذوق طعم الصباح.
فلشواطئ مونبلييه، طعم السكر في صباحات الميلاد، لكثرة، ما يجتمع فيها من حلاوة الجمال.
أينما إتجهت في مونبلييه، في عطلة الميلاد، ترى الأشجار إرتدت زينتها وخرجت إليك تستقبلك. ترحب بقدومك. تعتبره قدوما سعدا عليها.
ترى الترام، في المحطات يصب من أبوابه الزائرين والوافدين والأهل والأصحاب والأصدقاء والعائلات.
كل شيء يتفتح في مونبلييه صباح هذه الأيام: الجدة والتفاؤل والإبتسامات، بكل اللغات. فلا تعرف الصباحات لغاتها الجديدة، إلا حين تنسكب الشمس عليها شالات شالات. وتسيل الناس فيها دروبا دروبا، إلى المقاهي، إلى الأسواق، إلى المحال، إلى الجنائن، إلى المنتجعات، إلى الساحات.
كيف يصير الميلاد للشمس والنور والدفء والرمل والبحر. إنه الجنوب الفرنسي، حيث يتجه إليه الناس في الميلاد، بالقطارات وبالطائرات. يطلبون ميلادا دافئا، كله محبة ورجاء وعطاء.
الميلاد في مونبلييه، لا يقارن بغيره في سائر المدن الفرنسية. ولا يقارن أيضا بغيره في سائر البلدان. فما أروع السماء الصافية. ما أروع الغيمات العابرة. ما أروع الأنسام. ما أروع الأصدقاء!
ساحات مونبلييه، تحت الشمس، مزدحم الأقدام. ترن الأرصفة من الدعسات الموقعة على أنغام العازفين في ساحاتها. ويرين السكون للحظات، حين يشير الماسترو بالتوقف عن التأوه عن الآهات، ولو كانت من قبيل الإعجاب. من قبيل الإستحسان.
في الميلاد تنبسط مونبلييه كلها للشمس، تطلب الذهب من يديها. تطلب أن تذهب تيجانها. تطلب أن تكون تاجا لها. تتعدد مطالبها، لكن الرجاء يبقى واحدا، هو أن تظل الشمس ظلا لها. فلا ميلاد لهذة المدينة المؤنسة في أويقات الهروب للدفء والإبتهال والإستجمام والتأمل، إلا حين تكون الشمس راعية لها.
تحت شمس مونبلييه، تنبسط الهضبات والروابي بياقات السوسن. كنت أينما توجهت، لا ألقى تحت الشمس إلا السوسن. إلا إزاهيره الفواحة. إلا ريحه التي تغزو القلوب عن بعد، وكأنها على موعد مع الفرح والحبور. تلوح لك وجوه السوسن، حقولا حقولا. فلا تعرف ماذا ترى في تلك الجهات المتمادية، إلا آفاقا لسوسن يميد، تحت ظلال الشمس. فشمس مونبلييه، في الميلاد، لا يتفتح إلا عن السوسن. عن زهرة رشيقة، تستيقظ الدرب إلى “سانت لوا- Sant loi”، حيث الترام، على موعد معها، وكل ما فيه أريج لسوسن البهجة.
أماسي الميلاد في مونبلييه، فرصة الزوار والرواد والأهلين، لتذوق كاسات، ذابت فيها الشمس كما اللوذنج، قبل الغروب، حتى لا تغيب الشمس في الليل عنها.
هل من سؤال عن الظلال التي تسير معنا في الليل وكأنها في نهارات مشمسة. هي هو، بل هو هي. أحسب أن ليل مونبلييه، كما نهارها، لا يتعب من صحبة الشمس، لأنها في الميلاد رفيقة بالناس. مؤنسة لهم. تناصبهم يومهم كله، فلا يتعبون ولا تتعب.
زهرتان في مونبلييه، ترقصان في قلبي، كلما غدوت، وكلما أبت، بين أسواق مونبلييه. بين طرقاتها. بين مقاهيها. تنشدان لي ريح سوسنة، تملأ الدنيا، حين غدا كل شيء حولي من نور شمس في مدينة، لا تغرب عنها الشمس. تظل واجمة في عيني. تظل واجمة في قلبي. تظل واجمة قبالتي، كلما جلت بأبصاري، في أرجاء مونبلييه. لأن شمسها، هي الأجمل.
في الميلاد تجمد الشمس فوق مونبلييه. تراها الثريا لها. فأين توجهت، سارت الشمس فوقك. كأنها الحارس الشخصي الفرد. ولا تقبل أن تكون في عداد حراسك. هي الوقت كله، ما دمت تطلب النور والدفء. ما دمت تطلب البهجة. فكل البهجة على بابك، حين تكون في مونبلييه على باب الشمس. ترى فرعها عروسا وعرسا. وترى نورها عطرا وسوسنا. وترى فيها زهرتان تبتسمان لك.
ما أجمل مونبلييه، حين تغدو الشمس في يد سوسنة، إو حين تنشق عن زهرتين تلحقان بك، نحو باب المدرسة.!
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
وصف رائع لمدينة فرنسيه جنوبيه ، عشت فيها مدة سبع سنوات ، كنت اعشق أثناءها شوارعها، مقاهيهاً،والكرواسون الصباحي وانا ذاهب إلى الجامعه وعشقت ليلها ونيتاتها ولا زلت املكً شقة صغيرةً فيها املا بزيارتها من وقت لآخر انها مينة الحب والعشق وميتة النور والعلم