“السنوات العجاف” لمحمد خليل، صرخة كاتب في وجه التفاهة والظلم والاستبداد
شهرياد الكلام – مقالة نقدية للكاتبة ميشلين مبارك :
صدر حديثاً عن دار فواصل للنشر في بيروت كتاب “السنوات العجاف” للكاتب محمد خليل. الكتاب الذي يقع في 272 صفحة من الحجم الوسط، يُقسم إلى خمسة أقسام، تحتوي بمجملها على نصوص فكرية وفلسفية وآراء في الإعلام والمجتمع والتطورات التي يشهدها عصرنا. نصوص تعكس ثقافة الكاتب العالية عبر استشهاده بمفكرين وأدباء عرب وأجانب. بالإضافة إلى شذرات من كتابته ومن كتّاب آخرين إختارها خليل للدلالة على إنطباع معين أو فكرة محددة في حالة نعيشها كمتنورين أو على الأقل عاشها هو في سياق سنوات عمره المثمرة بالتجارب.
في المقدمة مهّد الكاتب للمواضيع التي ركزّ عليها في كتابه “السنوات العجاف”، ناهيك عن الفترة الزمنية التي كتب خلالها من 2018 حتى 2023 بحيث كان يكتبها بشكل يومي على الجدار الأزرق (أي الفايسبوك) ليغربلها فيما بعد ويختار منها ما هو للنشر. ويظهر من البداية التأثر الواضح للكاتب بالفيلسوف الإلماني نيشته مستشهداً بكتابه “هكذا تكلم زرادشت”، ثم مقتبساً من كتاب “نظام التفاهة” للفيلسوف الكندي آلان رونو، قائلاً: إنّ مواقع التواصل نجحت في ترميز التافهين…فأغلب المنصات التلفزيونية العامة هي منصات هلامية وغير منتجة…”
القسم الأول من “السنوات العجاف” عبارة عن “نصوص أدبيّة” ترجمت مشاعر خليل النبيلة في العطاء والسلام والطبيعة والحبّ الأول وغيرها من المواضيع التي لامست قلب الإنسان في الحنين إلى البيت الأول، كأنّ تلك الروح لا تستكين إلاّ عند ما يحبه قلبها وترتاحه نفسها. ولعمري بأنّ خليل قصد أيضاً ليس البيت الوالدي فحسب بل الوطن، والحبيبة والمدينة الأولى مرتع الطفولة والشباب. هو المُدرك قيمة المرأة في حياته بل في الحياة قائلا في الصفحة 23 من الكتاب: “إنّ بيتاً لا تسكنه امرأة ليس سوى جماد ساكن موحش، لا تظلله روح ولا تنبض في أرجائه حياة، إنّ حياةً بلا امرأة هي صحراء قاحلة، لا زرع فيها ولا نبات…” هذا الإعتراف العلني بقيمة المرأة لدليل وعيّ وثقافة راقية فما أجمل هذه الثقافة عندما تعمم على القراء قولاً وفعلا.
مؤلف الكتاب محمد خليل
تجدر الإشارة إلى أنه وفي نص من نصوص هذا القسم، عنونه الكاتب “السنوات العجاف” حاملاً أيضاً اسم الكتاب نفسه، يضيء فيه على سنوات عمره المنقسمة إلى عدة أقسام، فيقول: “في المحصلة، سبع عشرة سنة فقط مريحة نسبياً، وستٌ وخمسون سنة أخرى مريرةً وقاسية ومضطربة، مليئة بكل أنواع المتاعب والأحزان…” ليتماهى هذا الموضوع مع العبارة التي قالها الشاعر محمود درويش ذات يوم: “ما من شيء أقسى من أن يمضي عمرك أمام عينيك دون أن تعيش الحياة كما أردت”. ولعمري بأنّ سنوات الكاتب وإن كانت ربما عجفاء من نواح معينة، لكنّها بالتأكيد مليئة بالخير من ناحية الفكر والعطاء الأدبي.
القسم الثاني من الكتاب حمل في صفحاته نصوصاً وشذرات فكرية وفلسفية. تظهر العمق الفلسفي للكاتب من خلال بعض الأفكار الفلسفية الواردة على سبيل المثال: عند أبيقور القائل بفلسفة اللذة، هيجل وجدلية السيّد والعبد، شوبنهاور وفلسفة التشاؤم، ومعنى التنوير عند كانط وإلى ما هنالك…مقارناً هذه الأفكار بحالة اللبنانيين وممارستهم اليومية، دروسهم المستقاة من الحرب أو من الفرح والصخب…كل هذا التركيز جاء ليصل الكاتب إلى المعنى الذي ينشده على حدّ قول الناشر نعيم تلحوق (في كلمته التي تزين الغلاف الخارجي للكتاب). لعله معنى فهم اللبنانيين أو غالبيتهم العظمى في طقوسهم اليومية، في تأمل الكاتب نفسه “بالمفاهيم والدلالات من منطق الحكمة…وتمرده على الوجود والحياة”.
أمّا في القسم الثالث فخصصه الأديب محمد خليل لنصوص ومختارات علمية وتحديداً في علم النفس متأملاً بشخصية الإنسان بشكل عام، بسلوك الناس ودوافعهم في الرغبة أو الإحباط أو الحلم والواقع…تأملات إنطوت على رؤيته العميقة في معرفة الناس في مسار حياتهم وصيرورتها.
القسم الرابع حمل كتابات ذات طابع سياسي، عاكسة حرية الكاتب وتحرره من كل إنتماء حزبي أو طائفي ليترجم إنتماءه للوطن كدولة علمانية تحمل الحلّ للبنان الحبيب.
في القسم الخامس من “السنوات العجاف” عبارة عن مختارات من أقوال لكبار الفلاسفة والمفكرين والأدباء العالميين والعرب، إختارها الكاتب لنأخذ منها عبرة للحياة، للذات وللمعنى.
الكاتبة والشاعرة ميشلين مبارك