دلالات الحلول في “ديوان الوجد” للشاعرة جميلة الماجري
كتبت أسماء الشرقي / تونس :
يروم المتصوّف من خلال لغته المتعالية روحيّا وإشرافيا أن يؤكّد قصور الآخر على استحضاره أنطولوجيّا حسيّا وعقليّا ولفظيّا ، إذ المتعارف عن الكتابة الصّوفيّة أنّها مزيج من لغة متأرجحة بين إمكانيّة الإفصاح وصعوبة الكشف عن تجليّات عالمها اللاّمرئي، حيث تتعدّى فيها دلالة اللفظ حكم المنطوق به إلى المسكوت عنه فيصبح بذلك المسكوت عنه أولى بالإظهار من المنطوق به . وفي بحثنا عن سجلاّت دلالات الحلول في قصائد الشاعرة جميلة الماجري وتحديدا في مجموعتها الشعرية ” ديوان الوجد ” الصادر سنة 1995 والذي تضمّن ثلاثا وعشرين قصيدة تراوحت بين النّفس الطويل والقصير والمعتدل ، ألفينا في أغلبها خصوصيّة وفردانيّة على مستوى الدلالة الصوفية لدى الشاعرة لم تعبأ فيها بالوجود الأنطولوجي العقلاني والمادي بل هي تداعيات روحيّة منجذبة إلى عاطفة غامرة تشدّها إلى تجربة عشق تتعطّل فيها اللّغة ويجفّ في معانيها الحبر فيغيب الإدراك البشري في رحلة الإشراق العرفاني ويؤوب من خلالها القول تهجدا في محراب الذّات العليا
.وقد تستدعينا في هذا المقام إلى استذكار تجربة المتصوّفة الزاهدة رابعة العدوّية في رحلة استغراقها في الحبّ الإلهي .
وحتّى نتمكن من تدبّر أهمّ الدلالات الصّوفية في قصائدها ، تخيرنا أن نستنطق ثلاثة نصوص شعرية من مجموعة الشاعرة كنّا قد رأينا من خلالها، حضورا صوفيّا عاليا وأبعادا عميقة لمعاني الحلول . وهذه النصوص هي : قصيدة مَوْجِدَة وصَلاَةُ الغَائب والحٌلول ، حيث تبيّنا أنّ معاني كل هذه العناوين تتقاسم رافدا دلاليا واحدا سنكشف عن مجرياته من خلال تحليلنا . ولكي يكون عملنا دقيقا ارتأينا أن نقيم جسرا بين المعاجم التي اعتمدتها الشاعرة في هذه القصائد ومنها سنستجلب الجهاز المفاهيمي اللغوي والدّلالي الجامع بينها وهو ما سيساعدنا في تفكيك أبعاد هذه القضائد ومعانيها .
1- في ماهية العنوان ودلالاته :
جاء عنوان القصيدة الأولى ” مَوْجدة ” مصدرا لفعل وجَدَ ومنه تتفرّع معاني الوجدِ والوُجود والإيجاد ، وفي لسان العرب لابن منظور” وجَدَ مَطلوبَهُ وأوْجَدَهُ اللهُ مطلُوبَهُ أيْ أَظْفَرَهُ بِهِ ، والوَاجِدُ هو الذّي يجِدُ ما يقضِي به ديْنَه ووُجِدَ الشّيءُ عنْ عَدمٍ فهو مَوْجُودٌ”[1] .أمّا عنوان القصيدة الثّانية : صلاةُ الغائبِ فقد ورد العنوان مركّبا إضافيّا وُصِلت به الصّلاةُ بإسم فاعل هو الغائبُ ،” والمقصود بصلاة الغائب صلاة الجنازة التّي تؤدّى على من وافته المنيّة وهو في بلدٍ آخرَ، وأ مّا الصّلاة فهي العبادة المخصوصة المُبيّنة حدود أوقاتها في الشريعة . أمّا لفظ الغائب فهو مشتقّ من غاب يغيب غيب “والغيبُ هُوَ كُلُّ ما غابَ عنكَ ( أبو إسحاق ) في قوله تعالى : يؤمِنون بالغيبِ أي يؤمنون بما غاب عنهم ممّا أخبرهم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أمر البعث والجنّة والنّار ….والغيبُ ما غاب عن العُيونِ وإن كان مُحصّلاً في القُلوبِ ويُقالُ : سَمِعْتُ صَوتًا مِن وراءِ الغَيبِ أي مِن مَوْضِعٍ لا أراهُ.”[2]
وفي معنى الحلول وهو عنوان القصيدة الثالثة التي نروم تحليل دلالاتها ، نرى أنّ الشاعرة تخيّرت أن يرِدَ عنوانُ قصيدتها بصيغة المصدر لفعل “حلَّ يحلُّ حُلولاً ومَحَلاًّ حَلَلاً ويعني : نزولَ القومِ بمَحَلّة وهو نقيضُ الارتحال , والمَحلُّ هو الآخرة والمُرتَحَلُ.”[3]
على ضوء ما انتهينا إلى تفسيره لغويّا للمعاني التي أحالت عليها هذه العناوين ، نتوقف عند ما لم تبح به ظاهرها وساقتنا إليه بواطن مقاصدها وذلك من خلال الرّوابط الدلاليّة لجميعها فبعنوان “مَوْجِدة” حضر معنى الوجود المُنبعث من العدم ، ومن ” صلاة الغائب” انكشف لنا معنى البعث بعد الموت متلبّسا بطيف الغائب وهو حاضر في صلاة الجماعة ، لكنه حضور بهيئة مفارقة وبمعنى مختلف. أمّا عنوان الحُلول” فهو المعنى الجامع المانع لكلّ ما سبق من معان، ولعلّنا به نختزل دلالات ما جاء في عتبتي النّصين السّابقين ، إذ أنّ الخيط النّاظم الوارد في ثلاثيّة هذه العناوين يتوحّد في دلالتي الشوق والفناء أو المقام ، وفيهما تختزل كل تفريعات الدلالات اللاّحقة التي ستتجلّى لنا من خلال النّصوص الشعرية المعتمدة . ومنها ثنائيات : السعي والمكابدة / الوقوف على الباب – الشوق والرّجاء / التوق إلى اللّقاء / الحلول وهما شكلان : حلول في الله و آخر في القصيدة .
2-في دلالات الحلول مضمونا :
· السعي والمكابدة/ الوقوف على الباب :
إذن لقد انبنَت هذه النصوص الشعرية على جملة من الثنائيات ذات البعد الرّمزي لاذت من خلالها الشاعرة جميلة الماجري بمعجم المتصوّفة معجونا في طيّاته بمرجعيّة دينّية صرفة استأنست فيها بالنص القرآني لغة صريحة وجمل شعريّة متناصّة معه بشكل إبداعي سلس ويتجلّى لنا ذلك خاصة في وصفها لرحلة السّعي والمكابدة للظفر برضاء المحبوب ومحبّته. تقول الشّاعرة في قصيدة “صلاةُ الغَائِب” :
تسلّلتُ من رمقِ الرّكعة العاشرهْ
تكادُ الهواتِفُ تفضَحُ أمري
وإنّي … لفي الدّهشة الآخذهْ
إذِ المُوريات قدحْنَ
كأنّي بها الرّاجفــــــــــهْ
فهذي ارتعاشتُهُ البِكرُ تسري
وأردفت الـرّادفـــهْ.
…………….
…………….
كأنّ دمي قد تفيّأ …والضّوءُ تعْشى…
له العينُ …ترْتجّ من دفقه الذّاكرهْ
فالمتمعّن في هذه الأبيات يتراءى له منذ الوهلة الأولى جزالة العبارة والقدرة المجازيّة التي شكّلتها الشاعرة في استدعائها للغة القرآن الكريم وتحديدا سورتي العاديات والنازعات في قوله تعالى :
( فالمُورياتِ قدْحًا) الآية 2 و ( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ [الآية 6-7 . وقد ورد في
تفسير الطّبري[4] أنّ” المقصود بالرّاجفة هي النفخة الأولى التي بها تنتهي الحياة على وجه الأرض أمّا الرّادفة فهي النفخة الثانية والتي بها يكون البعث والخروج من القبور”. فالشّاعرة وهي في حال تلبّس بين الحضور والغياب تصوّر لنا مشهدا دينيّا بلغة شعريّة تتمازج فيها لحظة الدّهشة والذّهول لهول اللّقاء بهيبة حضور المحبوب وتفاعل عناصر الكون مع دفق ذاكرة الحبيبة ، وهنا تختصّ هذه اللحظة المفارقة بإحساس الشاعرة فقط دُونًا عن بقيّة المخلوقات تفيء دمِها وعودة الرّوح واسترداد البصر بتجلّي صاحب البصيرة . حيث أنّ الأنا في لغة جميلة الماجري لا تكاد تغيب عن نصوصها الشعرية عامّة وفي قصائدها المختارة خاصّة وهو ما سنلاحظه في قصيدتها ” مَوجدة ” حيث تقول :
إذا جاؤوه أفواجًا
تنوءُ بإثرِ أفواجٍ
وقد جاعوا … وقد ظمئوا
وقد شعثُوا… وقد تَرِبُوا
وجبْهاتٌ لهُم عُفِرتْ
وبالتّسبيح قد لهجوا
سآتي الوعدَ مُفردَةً
أنا وحدي وهُم حُشدُ
وحارسه على الأبواب ينهرُهُم
سألقاه ولا أقِفُ…
فقد سلكوا إلى مرضاته طرقا
وأُخرى قد سلَكْتُ مُنفردة
فالشاعرة هنا تستثني نفسها من الجمع الذي احتشد سعيا للّقاء وتفرّدت عنهم بالطريق الذي سلكته وكلّها ثقة بأنّها الموعودة بفضل القبول في حضرة المحبوب ، وفي هذا المقام يمكن أن نتدبّر صورة الأنثى في الشعر الصّوفي وهو الانعكاس الذي رافق رمزية وجودها في المدوّنة الصّوفية إن صحّت العبارة . فالمرأة في الشعر الصّوفي تُعدّ رمزا للعفّة والطهارة والنّقاء في دروب المحبّة الإلهيّة وهي من منظور محيي الدّين ابن عربي بمثابة المنصّة التّي يتجلّى الحقّ في مظهرها بصورة الإسم الجميل ، وقد أشار في كتاب” فصوص الحكم”: بأنّ ” الإنسان نفس الرحمان فيما كان به الإنسان إنسانا , ثمّ اشتقّ له منه شخصا على صورته سمّاه امرأة , فظهرت بصورته فحنّ إليها حنين الشيء إلى نفسه, وحنّت إليه حنين الغريب إلى وطنه ، فحببت إليه النّساء فإنّ الله أحب من خلقه على صورته وأسجد له ملائكته” [5] ولم يقصد المتصوّفة بهذا تحقيق تناظر بين الأنثى والله وإنّما راموا إسقاط عالم الطّهر والقداسة على المرأة لتكون لهم عنوانا ومعراجا إلى الملا الأعلى ، فثقافة جميلة الماجري الفكريّة والأدبيّة لا تبدو خاليّة من هذه المعارف اللّدنيّة، والدّليل على ذلك أنّها جعلت من نفسها الأنثى المصطفاة دونا عن بقيّة الخلق فهي تخاطب الله قائلة :
“أمولاي …هذي أنا
فهلاّ رحمتْ
وأوسعتَ لي مجلسا في حماك”
وهو خطاب القريب من القريب ف” ألف” النّداء اختصرت دلالة قرب المنادي من المنادى ، فالشاعرة هنا تبدو في مرتبة العاشقة التي ترجو من المحبوب أن يفردها بمجلس بقربه ، فتردف قائلة :
” لأدلج في ملكوتكَ وحدي
فقبل ابتداء البداية كُنتُ
أنا وحدي العشقُ والعاشِقهْ “
وفي موضع آخر تقف عند بابه وحيدة مكابدة ومجاهدة لألم الانتظار ترتجي فيض النّور المنبعث من سرايا ملكوته الممهور بالسرّ والنّجوى. فهي في قصيدة “حلول ” ذائبة على العتبة ” :
والبابُ مُنشدِهٌ
والليلُ والعتمهْ
والقلبُ مُنشطِرُ
والرُّوحُ مُنخطفهْ
إذن نحن هنا أمام معان لا تتحصّل في النّفس وتعجز اللغة عن المسك بدلالاتها الرّوحانيّة أو ما عبّر عنه ابن العربي بالعلوم الإلهيّة الذوقيّة ، فلغة الشّاعرة وإن بدت لنا واضحة المقاصد ظاهرا فهي مستغلقة على ذاتها بشفرات لدنية لا يحسن فكّها سوى العارف بخفاياها فحالة الانفعال تلبّست بصيغ الأفعال فصار القلب بانفعاله منشطر والباب أمام قداسة الحال منشده أمّا الروح في جوهرها المفارق قد انخطفت وبالتّالي نلاحظ الفرق بين معرفة الصّوفي ومعرفة العالم والمتكلم ، فهذين الأخيرين يقفان على حدود التعريفات بمنطقها القياسي بينما يعيش المتصوّف تجربة ما يقول وما يرى. والحال هنا يبدو لنا مع الشاعرة جميلة الماجري التي أفردت قصيدتها بلغة العارفين ولا أدلّ على ذلك من استحضار مصطلحات على سبيل : “وحدي” التي تكررت في قصائدها بدلالتها اللفظية الواضحة سبع مرات ، إلى جانب عبارات الباب والعتبة والوجد والمعراج وسدرة المنتهى وغيرها من المعاني التي سنستجلي دلالاتها الإشراقية في سياق تحليلنا. فبالعودة إلى رمزيّة ودلالات الأرقام في المصطلح الصّوفي والنّظر في دلالات عبارة ” وحدي” التي ترددت في نصوصنا المختارة للشاعرة جميلة الماجري نجد أن الجرجاني في “معجم التعريفات” قد عرّف لفظ الأحديّة بأنّه ” مجلى الذات الذي ليس للاسماء ولا شيء من مؤثّراتها فيه ظهور .وكأنّ الأحد إسم الذّات الإلهية المقدّسة المجرّدة , أمّا الأحدية فهي مرتبة ومظهر للذّات المقدّسة المجردة أيضا ” [6] .فإذا أردنا أن نجاريَ هذا المعنى الذي ضبطه الجرجاني في تعريفه ، فنحن أمام شاعرة لم تستلهم في عباراتها الشعرية فكرا وتراثا صوفيا فحسب بل هي تعيش التجربة بكلّ ما استبطنته من إشارات عرفانيّة جعلت منها ذاتا منقطعة عن العالم الخارجي وهو انقطاع زمني بمفهومه المادي ، وما وحدتها سوى لحظة مفارقة تستعدّ الشاعرة من خلالها لتحقق الوعد ، وعد بالإلتحام بالذات الإلهيّة و فضاء القصيدة هو المحراب الوجداني الذي تخيّرته لهذا اللّقاء فهي تقول :
” فهذا الوعد يصدقنا
وهذا فيئنا الأبدي
ولعلّ الجدير بالاهتمام أنّ الماجري وهي تنسج معراج ترقّيها إلى المقام الأعلى روحيّا ، حافظت على هويّتها كامرأة في صياغة خطابها الشعري من جهة ، وطوّعت اللحظة الصّوفيّة المفارقة للواقع ضرورة
للغة واقعيّة وإن امتزجت بأنفاس صوفيّة إشراقيّة ، والمقصود بذلك أنّها شكّلت نصّها الشعري في تناغم مع حالتها الصوفيّة المحتدمة بالشوق الإنساني ، فكأننا أمام مشهد شاعرة تخاطب حبيبها في خلوة القصيدة ، تقف على بابه تشكوه حرقة الفراق وألم المكابدة وتعترف له بآثامها البشريّة بحبّه وهو “الهو”
الذي لا يُلمس إلاّ بالروح ولا يُرى إلا من خلال بصيرة القلب ، وهنا نستحضر مجددا رابعة العدويّة المتصوّفة التي التصق إسمها بالعشق الإلهي ورحلتها بتّلاشي في ذات المعشوق , ولا شكّ أنّ المرأة هي عنوان الحبّ وأفق الاحتواء في الكتابات الصّوفيّة لذا فخلوتها الرّوحية تظلّ أسمى لحظات الاتّساق بينها ومن تنشده المحبّة فيصبح الشّوق والرّجاء والتوق غلى اللّقاء هو منتهى الغاية ، وسبيلها للحلول في الهالة القدسيّة .
تلك إذن هي لغة الصّوفيّة ، لغة عصيّة ومتفرّدة ، يسودها الغموض الذي يجعل من القارئ في حالة قلق وتشتّت دائم ” فيدرك حينها عدم قدرته على استيعابها بشكل واضح أو الوصول إلى أعماقها وخصائصها لأنّه يواجه فيها بنية تنبني على دلالات لا تقول إلاّ رموزا وإشارات لا تحمل تفريعا كاملا وكليّا للمعنى الحقيقي ، ذلك أنّ اللّغة كنظام تبدو قاصرة أمام الحالة الرّوحيّة التي يعيشها الصّوفي ” .[7]
فمعرفة الصّوفي تظل دائما أوسع من لغته وتبقى أفق رؤيته محبوسة في ضيق العبارة كما أشار إلى ذلك النفري.
لا شكّ أنّ النّص الشعري ظلّ مثارا للجدل من جهة كونه مزيج من الأبعاد الفكريّة والفلسفيّة والإبداعيّة تفتح المجال لكلّ مستبصرٍ فيه أن يطلق عنانه للتأويل وليحشد في نهاية قراءته قدرا شاسعا من التأويلات التي تكتسب دلالاتها من نفحات الفكر الصّوفي .
في الكتابات الصّوفيّة لذا فخلوتها الرّوحية تظلّ أسمى لحظات الاتّساق بينها ومن تنشده المحبّة في الذي لا يُلمس إلاّ بالروح ولا يُرى إلا من خلال بصيرة القلب ، وهنا نستحضر مجددا رابعة العدويّة المتصوّفة التي التصق إسمها بالعشق الإلهي ورحلتها بتّلاشي في ذات المعشوق , ولا شكّ أنّ المرأة هي عنوان الحبّ وأفق الاحتواء صبح الشّوق والرّجاء والتوق غلى اللّقاء هو منتهى الغاية ، وسبيلها للحلول في الهالة القدسيّة .
تلك إذن هي لغة الصّوفيّة ، لغة عصيّة ومتفرّدة ، يسودها الغموض الذي يجعل من القارئ في حالة قلق وتشتّت دائم ” فيدرك حينها عدم قدرته على استيعابها بشكل واضح أو الوصول إلى أعماقها وخصائصها لأنّه يواجه فيها بنية تنبني على دلالات لا تقول إلاّ رموزا وإشارات لا تحمل تفريعا كاملا وكليّا للمعنى الحقيقي ، ذلك أنّ اللّغة كنظام تبدو قاصرة أمام الحالة الرّوحيّة التي يعيشها الصّوفي ” .[8]
فمعرفة الصّوفي تظل دائما أوسع من لغته وتبقى أفق رؤيته محبوسة في ضيق العبارة كما أشار إلى ذلك النفري.
لا شكّ أنّ النّص الشعري ظلّ مثارا للجدل من جهة كونه مزيج من الأبعاد الفكريّة والفلسفيّة والإبداعيّة تفتح المجال لكلّ مستبصرٍ فيه أن يطلق عنانه للتأويل وليحشد في نهاية قراءته قدرا شاسعا من التأويلات التي تكتسب دلالاتها من نفحات الفكر الصّوفي .
– [1] – أنظر: ابن منظور , أبو الفضل جمال الدّين محمد , لسان العرب , دار صادر بيروت , ط1 , 1995 م ,المجلد 3, ص 445-446
[2] – أنظر : نفس المرجع , المجلد الأوّل , ص 654 .
[3] – أنظر : نفس المرجع , المجلد الحادي عشر , ص 163 .
[4] – أنظر : الطّبري , محمد بن جرير بن يزيد , كتاب جامع البيان عن تأويل آي القرآن ( تفسير الطبري ) , حققه عبد الله بن عبد المحسن التركي , عن دار هجر للطباعة والنشر , ط1 , ج24 , ص 583.
5- أنظر : ابن العربي، محيي الدّين ، فصوص الحكم , تقديم أنطوان موصلي ، موفم للنشر ، الجزائر،1990، الج 1 ، ص 216 .
– [6] – أنظر : الجرجاني , علي بن محمّد , معجم التعريفات , تحقيق ودراسة : محمّد صدّيق المنشاوي, دار الفضيلة القاهرة , ج1 , 2004م.ص 11 .
[7] – أنظر : جميات , منى , اللغة في الخطاب الصّوفي بين غموض المعنى إلى تعدّديّة التأويل , مجلة حوليات التّراث ع15, جامعة تيارت , الجزائر , 2015 م , ص 57 .
[8] – أنظر : جميات , منى , اللغة في الخطاب الصّوفي بين غموض المعنى إلى تعدّديّة التأويل , مجلة حوليات التّراث ع15, جامعة تيارت , الجزائر , 2015 م , ص 57
الناقدة والشاعرة التونسية أسماء الشرقي