” نكتب كي لا نصدأ “
للكاتبة والشاعرة المحامية ليليان يمين
( نقلا عن جريدة النهار في عددها الصادر بتاريخ 24 / 7 /2024 )
–×-×-×-×-
ثلاثةُ أحلام رافقت غفوات هذا العمر. أوّلها كان في زمن الطفولة، سنواتٌ طوال مرّت وأنا أسبر في غابة أليفة، أعرف ممرّاتها، أتحدث مع أشجارها، أضحك مع نباتاتها، أُصغي لأصوات تقيم هناك فقط، أحيانا يُبلّلني المطر ويتّسخ بالوحل حذائي وفي الأخير يُطالعني ذاك الحجر الكبير، أبيض مع عروق زهرية عميقة، تلمسه يداه وأختار دوماً الجلوس عليه فيطير بي، نجول بين اغصان الأشجار معاً، ألتقط ما أشاء، أخاف قليلاً، أبتسم للهواء يلفح وجهي، نرتفع لنعودَ وننخفض، فينحدر الحجر ويستدير جسدي لأعانقه لحظة ملامسة وجهي التراب. حينها أستفيق وقد اخترقتُ كلّ قوانين العقل ولكن لا شيء في يديّ سوى ذاك الحلم الذي أستعيده في يقظتي تأكيداً على وجود عالم آخر يكسر كلّ عزلة
بعد أنْ غادرَني الحلم الأوّل أطلّ عليّ الحلم الثاني وقد قاربَتْ سنواتي العشرين، فكان أشبه بكابوس عصبه الدوران الذي لا يرحم جسداً، يسرقه ليتركه في العتمة يتخبّط منفلتاً، مشرّعاً على المجهول، معرّضاً للإرتطام، لينهالَ عليك شيء غريب يزيد حركاتك ثقلاً، فتحاول أن تخلّصَ نفسك، ولكن عبثاً حتى تستفيق منهَكاً مع شعور ملؤه الفراغ والإحباط. حلمٌ أَدخلَ القلق على علاقتي بالنوم، سكنني لفترة طويلة حتى راح يتراجع ليغيب ولكنه ظلّ يطلّ حتى اللحظة ولو نادراً ليضعك أمام هشاشة الإنسان وضعفه وعجزه وبحثه الدائم عن مصدر خلاص يتمنّع عليه أبدًا.
أمّا الحلمُ الثالث وهو الحاضر منذ ما يقارب العشر سنوات، محوره جبل إهدن المهيب، الأجرد، الشاهد الأزلي على لعبة الضوء الأزلية، فكلّ الأحلام مهما تنوّعت فخلفيتها الجبل، أنا دوماً هناك، عند قممه او عند منحدراته او بين صخوره و“الفكرة الحلم” هي متعدّدة الأصوات أي أنّ الأفكار تمرّ بتنويعات كثيرة تتشابك وتتعايش وتنافس بعضها بعضاً، ممّا سمح لخليط من الأجناس المشهدية المتنافرة والمتكاملة أن يتشكّل في مخيّلتي، رغم واقعية مجريات أحلام الجبل لكنّ شعوراً غريباً ينسلّ منها وهو بأنني على يقين من موعد مضروب مع الموت أثناء لقاء ما مع هذا الجبل.
على أبواب النوم، قبل أن ننام، نسلّم الجسد كما الروح إلى تلك اللعبة الخفيّة من الأحلام ، تكسر فكرة الشعور بالوحدة وتكرّر مع فريدريك نيتشة: “أنا أكره مَن يسرق منّي وحدتي دونَ أنْ يقدّمَ لي في المقابل رفقة حقيقية”.