” سندويش فارغ .. “
قصة قصيرة
للكاتب د. قاسم قاسم
-×-×-×-
جاء الحيَّ شابٌ ،ترك مدينته عازبا ،لينام في اسفل البناية، عمّر وحدته خمسة أعوام ،في خدمة ( ثماني عشرة شقة سكنية) ، لا يأبه لصراخ السيدات ، قابع يتلهى بما يقع في جيبه من بقشيش.
فجأة ركّب رأسه ، وصار يترك عمله في الصباح ، متعّرفا على الشوارع ، وما زال حتى طرده السكان ، لملمته سيدة عجوز تعيش وحدها في غرفة أشبه بمحطة سفر ،نام على الشرفة صيف شتاء ،حتى اعتاد جسده على المناخ ،التقطه شباب الحي في سهرات الصيف ،فتلاعبوا به يرمونه بالماء ،وكلما إذداد صراخه ،زادت رعونتهم حتى صار سلوتهم .
وزاد الطين بلّة ان طردته العجوز ،بعدما استاءت من تصرفاته ،فوجد نفسه من جديد في الشارع ،متعّرفا على المدينة بعد أعوام ستة.
ها هو يطل صباحا كأنه ذاهب إلى العمل ، يحمل عصاه ، مرة تجده قرب مخفر الدرك ، يشتم لا احد، ومرة أخرى قرب مكب النفايات ، مراقبا زاوية مفترق الطرق ، متأملا زحمة السير ،حاشرا انفه في اتفه الامور.
تراه احيانا شاردا، يحدثك كالعاقل ، يحيي من يلتقيه بأدب ، ويأبى ان تمدّه بالمال ، يخاف على الصغار من اختيار الشارع ، فتحتار بشخصيّته التي لا يكشفها سوى سواد الليل ، اذ لا تبلغ التاسعة مساءً ، حتى يصطاد رأس الزاروب ، ليطلق صراخه ، وتمرده ، كأنه يعيد الاعتبار لذاته التى فقدها طوال الماضي ، ويعاود الكرة في منتصف الليل ، حتى اعتاد سكان الحي على قفشاته ، فاذا غاب الصوت ،يتساءلون هل اصابه سوء؟
اخذه وجوده إلى حيث لا يدري ، اعتاد على فعل لاشيء ، ولا شيء في قلبه ، او رأسه .
تركه اهله، فتركته الحياة، أكله سندويش فارغ ، لا يقترب من القمامة ، وان عثر على طعام رماه جانبا متابعا زحفه نحو مأواه ، عله إذا خبأ جسده شبع ونام.
د. قاسم قاسم
عمّر وحدته خمس سنوات…
صباح الخير، تكثيفٌ جميلٌ ووصفٌ غنيٌّ