سر الوقت
أجمل من الوقت سره. كيف يكون له مذاق العسل. كيف يكون دبيبه، مثل دبيب العرائس، على السندس. كيف يمشي على عكازتيه، أو على قصبة. يلهو قليلا عنا. ويلهينا. ونشعر أن الوقت يداهمنا. أو يتأخر عنا. ومع ذلك يظل الوقت هو الوقت. يظل في موعده، دون أن يتوانى.
سر الوقت، أن نكون في حينه، بأبسط أثوابنا. نشعر أن الوقت يتلبسنا، مثل أوراق الشجر. مثل خرير ساقية. مثل عصفور يرسل تغريدته، وينتظر أن يعود له الصدى. ما أجمل الأسرار حين تنتظم في مواقيتها، مثل عقد. أو هكذا يمر العمر بأسراره، على جدول الوقت. يسجل حدثانه، هنيهة هنيهة. ولا ينسى التفاصيل مهما دقت عليه. فهو يحفظ السر وأدهى.
ترى أسرار الوقت بادية على ناصية، مثل تجاعيد البحر. هناك ربما تهنأ. تشعر أنها صارت سجلا على عافية. فبين الجبين، وبين أحفورة الوقت عليه، كل أسرار هذة الصنوبرة البرية، التي تقف فوق التلال. فوق الجبال. عند منعطف، أو عند سفح. أو قمة عالية. تصيح على الملأ، تعالوا إلي، حيث يرقد الموج في الناصية. يودع أسراره: سرا بسر. ووقتا بوقت. ثم ينهض صنوبرة العمر، يقول ها أنا.
سر الوقت، أن تظل الأنا عالية. تهدأ مثل مئذنة، ثم تأخذ تتعالى. هناك تحين المواعيد، يذوب الثلج وتجري الجداول، تحمل وريقات العمر، مركبا مركبا. تنحني الجبهة قليلا قليلا، ثم تمضي. تشق الطريق سهما إلى الضفة الثانية.
ما أجمل الوقت ضائعا بين ضفتين. بين سرين. بين عينين. ما أجمل الوقت، حين يرنو بأسراره، للريح. للعاصفة..
ما أجمل الوقت، يصغي إلى سره. يحكي له الثواني، مثل دبيب النمل في عروق العافية.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
الكاتب د. قصيّ الحسين