عندما تفتح على الصفحة الأولى من رواية دلال قنديل ” شطوب في المرآة ” تكتشف أنك أمام روائية عالية ، تجذبك كلماتها الأدبية البديعة وتلقائية لغتها وصياغتها المرنة في الانتقال من فكرة إلى أخرى دون أن تخدش تسلسل أحداث روايتها وترابط بنية شخصياتها الأساسية .
أصارح الكاتبة كصديق لها ، أنني اكتفيت بقراءة 177 صفحة متتالية دون توقف ، لم استطع التوقف ، كذلك لم استطع المتابعة بعد تلك الصفحة ، وقد تسألون عن السبب ، ربما لأننا نحن الشرقيين نتمسك دائما ب ” البطل ” خلال قراءة الرواية أو مشاهدة المسلسلات والافلام ، لذلك توقفت عن المتابعة بعد موت بطلتها الرئيسية .. كانت كافية بالنسبة لي العبارة الأخيرة أو ” القطفة ” التي تريدها الكاتبة بقولها على لسان الشيخ خضر : ” السلام إليك يا مريم ، يا من تستحقين السلام “..
ولا أخفي على الكاتبة ، أنني حاولت قراءة الفصول المتبقية وتصفحت حتى نهاية الكتاب في الصفحة 243 , فوجدت أنّها كتبت بنبض آخر وليس أقل أهمية ، ولكن لم أقرأ أكثر إلى حين آخر كنت أريد المحافظة على النبض الذي وصلني ولا أفرٍط به بنصوص أخرى قد تصلح كرواية ثانية أو مجموعة قصصية من سردية جديدة تحمل نبض آخر ، وتلقي الضوء على مرحلة من مراحل حياة لبنان في جانب ما ، دون تأريخها ، لأن مهمة الروائي ليست التأريخ للأحداث ، بل سكبها في زمن معين .
وهكذا ، عشت مع شخصيات ” شطوب في المرآة ” مع نبضهم ، مع مرحلة أحداث عشناها و عاشتها معظم القرى الريفية مع جميع التناقضات العجيبة / الغربية التي مرت من تعدد التنظيمات اللبنانية والفلسطينية إلى ولادة الفكر الديني في الصراعات الحاصلة دون أن تهمل الكاتبة الصراع مع الإقطاع .
الشخصية الرئيسية كانت مريم ، تلك الفتاة التي تنتمي إلى البرجوازية الصغيرة ، حيث تظهر الكاتبة شبكة علاقاتها مع بلدتها ومع فتيات القرية العاديات وصداقتها مع هدى (العنصر الأساسي / الهامشي في القسم الأول من الرواية في نقل تسلسل الأحداث) ..
الحبكة في الخط الدرامي لشخصية مريم هي اللقاء مع شاب يساري ( عامر ) الذي يشكل انتقالة مريم في عالمها إلى عالم التعرّف إلى الأفكار اليسارية عبر تزويدها ببعض الكتب . وتقع مريم في حب عامر وتفقد عذريتها معه ( تعبّر الكاتبة عن العلاقة بعبارة موجزة عبر قولها ” اقفلت الباب ” بينما تسهب في تفاصيل علاقتها مع الشيخ خضر ) وتتوالى الأحداث ، حيث يتزوج عامر بفتاة أخرى ، وتصاب مريم بصدمة بعد أن نصحها حبيبها بالإجهاض ..
بعد انتهاء علاقة مريم ب عامر ، تتعرف على الشيخ خضر ( المتزوج ولديه أولاد ) ، فتحبه ويحبها ويطلب منها الزواج الشرعي ، ثم تصبح العلاقة بينهما خارج إطار الشرع ، وبعد ذلك يختفي الشيخ لأسباب تتعلق بشهوة السلطة في المؤسسة التي ينتمي إليها ، وتعود الصدمة من جديد لمريم ، ألى أن تفارق الحياة بسبب مرض خبيث أصاب رحمها.
التفاصيل كثيرة في رواية ” شطوب في المرآة ” لا نستطيع سردها كلها أو حتى تلخيصها لما تحتويه من تفاصيل وشخصيات و إشارات ..
إلا أننا رأينا دلال قنديل كاتبة روائية عالية ، ومن أول رواية لها ، بسبب نمط سردها ونبضه وحياكة قماشة روايتها بأسلوب لغوي وسردي عالي الوصف في بناء الشخصيات ، وإذا كان لدي بعض الملاحظات كقارئ , (أنا لست بناقد روائي ) ، فهي أن تحافظ في كتاباتها المقبلة على هيكلية السرد دون الوقوع في مطبات تخرجها عن الإطار العام ( مثلا حكاية أمين السر وإظهاره كفاسد ، في صفحات قليلة ولكنها بدت لنا وكأنها تقرير إخباري يبعدنا عن مسار النمط السردي الرائع للرواية ) .
دلال قنديل ، نعم أنت روائية ، صفة تضاف إلى لقبك كإعلامية وكاتبة وشاعرة .. روايتك أثبتت ذلك ، نقلتي إلينا سردية ليست عادية ، وصف لأدق تفاصيل الأشياء ، سردية مشوّقة رغم شعورنا في بعض الأحايين إلى ضرورة شطب بعض المطبات ، لكن النمط العام هو عالي الجودة ..
الروائية دلال قنديل ، نعتذر ، لم نتمكن من نشر الشواهد على ما قلناه ، سنترك للقارئ إكتشاف رؤيتنا فيما كتبناه ..
يوسف رقة