تأخرت على تيم
كانت ليلة الثاني من حزيران-2024، حين ناداني الشارع بالتهليل والتكبير. كنت أعجب وأنا أسمع ذلك بأذني، غارقا في نومي حتى أذني. كيف إستبدل الشارع عادته. كيف إستطاع أن يترجم لغته بعد منتصف الليل. كيف صارت أغاني السكارى وجوقاتهم، في مثل هذة الساعة، تكبيرات، تتسع دوائر دوائر، حتى تملأ روحي. حتى تملأ كياني. حتى تستيقظ أذني.
حين أفقت مندهشا مما أسمع. مما يترجم لي الشارع، بلغة التهليل والتكبير، تناهى إلي من جوف الغرفة المجاورة صوت ينادي علي. ينبهني: إن اليوم عيد ميلاد محمود.
ما كانت المناسبة هذة تتناسب مع ساعة عميقة في الليل. لولا أن توضح الأمر بالقول: أن تيم، ولد الآن في عيد ميلاد أبيه محمود. ما تأخر على أبيه. لأنه سر أبيه، الذي لا يزال يفاجئني كل يوم، حتى يمتلئ قلبي حبرا وحبورا.
نهضت من نومي مسرعا، إلى حيث مصدر الصوت. وقفت جدة تيم قبالتي، وقالت مبارك لنا بالحفيد الجديد.
د. قصيّ الحسين وعقيلته (جدة تيم )
لا تصدقوا ماذا حل بي ساعتئذ. لا أزال مرعوبا مما حدث معي، حين ولد تيم في ساعة متأخرة من ليل الثاني من حزيران، في عيد ميلاد أبيه.
أعظم من ذلك، أني لا أصدق حتى اليوم، كيف إجتمع علي كل ذلك، في برهة واحدة. برهة التهليل والتكبير وإنقلاب طقس السكارى، وبرهة التبشير بولادة تيم.
يا الله، ما أجملها من فرحة كدت أطير لها. جعلتني أخف من ريشة. جعلتني والدنيا كلها سواسية في التحليق فوق الرواسي، وفوق الصواري. وفوق السواري. كنت أستجمع عقلي من شدة ضياعي في برهة مناشدتي. في برهة إبتهالي، حين ينقلب الشارع بالسكارى، فيخلونه على عجل، لأطياف الملائكة، جاءت تهنئني. جاءت تسلم علي.
تأخرت عليك حبيبي تيم. وأنت منذ تلك البرهة المباركة بين عيني. أحدق فيك: هذا هو أنت أنت. فلذة من كبدي خبأتها لبرهة ثقيلة من ليلي. طارت بي. وطرت بها.
تأخرت عليك يا تيم فؤادي، الذي إنتظرت لآماد وآماد. ولم تتأخر أنت علي. وافيتني بعيد منتصف ليل الثاني من حزيران، على أجنحة الملائكة، تهلل قدامك وتكبر لشانك عندي. تقول بكل حنو، وهي تبسط أجنحتها لك، حتى تعلمني، أن إكتمل علمك الآن، بعد وفادة تيم عليك.
الطفل تيم حفيد د. قصيّ الحسين
تيم، أعظم فرح عندي. وجهه للحسن. ويداه لأجنحة الملائكة. وقدماه لملعبه، يوم ينزل مع والده، يلعبان معا، لعبة الفوتبول، في سهل القموعة، أعظم سهل، في أعلى رأس الجبل، الذي يطال أعشاش النجوم، ومخدات الغيوم.
عرفت محمود يومها، وهو يمسك بالفوتبول، في سهل القموعة، ويركله بقدمه ركلة الجزاء. حتى جاء تيم، يتمم اللعبة. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!. هكذا حدثني تيم، من غرفة نومه فيChelles، بضاحية باريس: ها أنا الآن على موعدي، قد قدمت. ها أنا لون عينيك!
تبارك الرحمن، الذي أهداني إياك ياحبيب القلب. أيها الساكن في عيوني، حين أغمض عيني. تملأهما فرحا، كعادة أبيك محمود. لا أسمع صوته، إلا حين يغذ الفرح مهللا من بعيد، قادما إلي. يبشرني البشارة بعد البشارة. ويخفي عني من القول ما يوجعني، لأنه يخشى علي.
هنيئا لنا بقدومك السعد. هنيئنا لك الإقامة، مع أمك وأبيك وجدتك…
وعسى أن أضمك إلى صدري. أذوق شميم الجنة بين صدغيك.
حتى ولو تأخرت عليك يا تيم الله. يا تيم بن محمود بن قصي بن الحسين!
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.