كتاب مها بيرقدار الخال “حكايا العراء المرعب”
كتبت هالة نهرا* :
الفنانةُ والشاعرةُ والكاتبةُ والإنسانة المرهفة التي تحبُّ تغريدَ الطيورِ وألوانَها ولا تحبّ الإمساكَ بها، وتتمنّى أن تطيرَ هي أيضاً كالطيور، حَدَّثَتِ القرّاءَ في “حكايا العراء المرعب” الصادر عن دار “فواصل للنشر” بالتعاون مع “دار مجلّة شعر” عن شغفِها بالرسمِ وتجرِبَتِها في إذاعة دمشق، وبشفافيةٍ عن علاقتها بأفراد عائلتها وأهلها، بزوجها الشاعر الكبير يوسف الخال… عن زمنِ تَعرُّفها إلى عددٍ من الشعراء المبدعين والمثقفين والفنانين اللبنانيين، ومحطّاتٍ أساسية في حياتِها بصراحةٍ لافتة وجرأةٍ بيّنة… تلك الحياة بمنعطفاتِها وتناقضاتِها ومطبّاتِها ومفارقاتِها وتحدّياتها وشدائدها ولحظاتِ السعادةِ الخاطفة والهاربة فيها… وهي التي كتبتْ أنّكَ إذا كنتَ تعيش في لبنان فلن تكفيك روحٌ واحدة، بل عليك أن تكون كالهرّة التي تملُكُ سبعَ أرواحٍ، بل أكثر بكثير؛ فعلى الأقل عليك أن تكون متسلِّحاً بسبعين روحاً!
تتجلّى في الكتاب مها المكافِحة والصابرة الصلبة والرقيقة في آن، المرأة المنحازة إلى الإنسان والقيَم الإنسانية والوطنية الجميلة، ضدّ الطائفية، علماً أنها في مرحلةٍ شائكة ومفصلية لم تكن تهتمّ بنشرات الأخبار والتحليل السياسي، فعقلها السياسي كان ضامراً “ككلّ مَن كان في جيلها”، على حدّ تعبيرها.
تتّصف مها بالأخلاق الحميدة، وقد وَسِعَ قلبُها للناس والجمال الفنّيّ والإبداعيّ العميق والعالَم، قلّبٌ بنداوة وبراءة قلوب الأطفال، ترفعه شخصيّتها التي تَشِفّ عن تميُّزها والمطبوعة على التواضعِ الجليّ والشموخ المحبَّب، ما يكتشفه القارئ تباعاً في ثنايا كتابها مستجلياً الخفايا والخلفيّات ومِلْح الأغوار.
واللافت على نحوٍ يثير التعجّب في “حكايا العراء المرعب” مدى قوّة ذاكرة مها بيرقدار الخال وقدرتها الهائلة على الاحتفاظ بتجاربها السابقة واستعادتها، واستحضار المواقف والأحداث والحوارات والأحاديث بتفاصيلها الدقيقة. بأسلوب السهل الممتنع ، ومضاتٌ مشوِّقة من مشاويرها ورحلتها الحافلة بالعطاء تتوهّج وتصطخب في دفّاتِ الكتاب الشيّق والماتع.
شغفُ الكتابة ههنا محفوفٌ بشغفِ التلقّي في المدى المحلّيّ والعربي، والمعنى خلْفَ سِتارِ أثر مها ، حرٌّ طليق يبسط جناحَيه محوِّماً.
تزامنتْ بدايةُ كتابتِها لهذا الكتاب مع العدوان على غزّة فسطَّرتْ موقفاً للتاريخ. كذلك لفَّتْ مها بكتابها ضمّادة النوستالجيا على القلب، وخاطبت الروح، وحفرتْ في الأمداء ما ستُبقيه.
مها بيرقدار الخال قامةٌ ذاتُ قيمةٍ في نتاجها هذا ومسارِها الطويل تستحقّ الاحتفاء بها والاحتضانَ بحفاوة وودٍّ غامر.
* هالة نهرا ( كاتبة وشاعرة وناقدة موسيقيّة )