كتب الدكتور قاسم قاسم :
في حوار متخيل تحدثت فيه السيدة مها بيراقدار عن سيرتها الخاصة والادبية الفنية، منذ ما قبل زواجها ب يوسف الخال ، وما بعد وفاته.
سأبدأ بالسؤال الاول.عن قصة السلحفاة التى وردت في كتابك:” حكايا العراء المرعب” (الصادر عن فواصل_و دار مجلة شعر 2024 / طبعة1) ..
ج: السلحفاة رمز قديم للبطء، مهجّرة…. حاملة بيتها على ظهرها… عندما رأيت احد الصبية يهوي عليها بحجر، اكتشفت لاول مرة الكره والغضب.
س:ما الذي انقذك من فقدان الوالد؟
ج: انقذني انتسابي الى معهد الفنون
س:اخبريني، عن لحظة طرق باب الاهل، حاملة لوحة التخرج .
ج:عندما وصلت الى البيت، ضغطت أصبعي على الجرس على الاقل عشرين مرة وربما ثلاثين، سمعت من الداخل صوت امي … وما ان فتحت الباب ، قلت لها : شوفي ، طلعي منيح، شو مكتوب هون؟ وكدت الصق الشهادة بوجهها… من شدة فرحي.
س: كيف وصلتي الى العمل الاذاعي؟
ج: دلوني على مدير البرامج ، والذي انتهت مقابلتي له بعد ثلاث دقائق ، عندما قال: يجب أن تقابلي مدير التلفزيون ، واسمه سامي الجندي، وكنت سعيدة بردود الفعل ، برنامج الشعر كنت اسجله في النهار، وتبثه الاذاعة عند منتصف الليل، وكان اسمه ” الليل والشعر والموسيقى “.
س:من هو الشيخ الذي راسلك… ؟
ج:وصلتني رسالة… وكانت المفاجأة مكتوبة بالحبر الاحمر، وزينها بقصيدة ، واهداني كتبا- مثل السهروردي -الشيرازي.
س:بعدما اكتملت مجموعتك الشعرية ، هل نشرتها؟
ج:عندما طرقت باب يوسف الخال ، سألني مباشرة:كم تبلغين من العمر؟اجبت:بعد شهر سأدخل الخامسة والعشرين وداربيننا الحوار التالي:اخبرينني هل انت متدينة؟ قد اكون روحانية النزعة، لكنني لست متدينة، سألته هل استرجع مخطوطتي استاذ يوسف، سحبها من جارور مكتبه وناولني اياها ، كمن يسحب جثة من جارور المستشفى.
س: تذكرين انه بعد عودتك الى دمشق، انه وصلك رسالة من الشاعر يوسف الخال.
ج: صحيح ، تفاجأت بالورقة التي مزقها على عجل من دفتر ما ، وكأنه دفتر سمّان او لحام ، والحبر جاف احمر كالاقلام التي يستعملها اساتذة المدارس….ولشد ما اذهلني ما قاله في الرسالة الورقة، هذا الكبير كالهرم : اسمعي ، لقد اعددت بيتا لك صغيرا عند البحر، لا تتصوري كم انا غريب ووحيد ! فتعالي حين ينتصف تموز، والا فغيبي الى الابد! قلت في نفسي _يا الهي … حتى الكبار ينكسرون .. عندما وصلت: تفاجأت بخروجه من البيت ، وسمعت صوته قائلا: كنت عارف انك راح تجي ، وتقدم نحوي بابتسامة لن انساها…تقدم نحوي نشيطا وسعيدا فاتحا يديه وغمرني ودار بي ! خلت الارض تدور بي …. ماذا يعني كل هذا؟
جلست قبالته في الحديقة… سألني : لماذا لم تعودي تكتبي كما في السابق ؟ صمتُ قليلا: لا اعرف… لكن لربما احسست باني أكتب الى شيخ ، يقول: انا كلي بقضي وقضيضي لا امثل اكثر من شيخ.
س: هل عرض عليك الزواج ؟
ج: لا ، عرض عليّ ادارة غاليري بمساعدة ابنة اخيه ، ولكن في المشوار التاني عرض علي الزواج.
س: وهل وافقتي؟
ج:اجبته بسرعة لا ، ثم حثني على الاتصال باسرتي واخبارهم بالزواج
س:وهل وافق الاهل؟
ج: لاول مرة في حياتي أتمرد. حتى ان اخي سامي، اعتبرني خارج الاسرة ثم امسكتني امي من ذراعي وقالت : تعي معي ، تغلق باب الغرفة وتقول : لك شو صار لك؟شو انت بنت مجنونة… ما نك عارفة انك عم تتجوزي واحد اكبر من ابوك بسنتين تلاتة. اجبتها : انا قررت وهيدي حياتي وانا حرة فيها.
س: بعد شهر من الزواج على من تعرفتي من اصدقاء زوجك؟
ج:اهضمهم ، كان أنسي الحاج وانتعشت روحي عندما تعرفت على فؤاد رفقة السوري وبهيج مالك والدكتور شارل مالك، ورفيق المعلوف.
س: كيف وجدتي طباع يوسف الخال؟
ج:لا انكر طيبة قلب يوسف ، لكن أوقات ينقلب الى طبع غريب ، قاس بعض الشي.
س: تركتم البيت في بيروت، اثناء بداية ،الحرب الاهلية هل تصفين ماذا جرى ، والى اين انتقلتم؟
ج:كان في دبابة في احدى الزوايا مقابل البيت وحولها عدة عناصر مسلحين. صرخت قائلة: يعني نحن صرنا هدفا بالنسبة للشارع المقابل.وكان علينا التصرف بسرعة، انتقلنا إلى غزير، بعد مرورنا بالحواجز وكانت الصدمة، بيت صغير ،وسخ ،ومهمل منذ سنوات.
س: بما ذهبت الحرب الاهلية برايك؟
ج:البسمة التي يشبهونها بالقصيدة، غادرت وتحولت إلى مرثية،…. ان ما ذهب لن يعود…
واذكر مرة كنت في طريقي إلى مستشفى الجامعة الاميركيةلاجراء بعض الفحوصات الطبية ليوسف، رأيت نبتة كبيرة قد اخترقت زجاج احدى النوافذ المهشمة مطلة على احدى الشرفات وكانها تبحث عمن يرويها.
س: تسترجعين صورة والدك في الصفحة٨٠ حين تشير ابنتك إلى صورة احد الشهداء، قائلة : ماما .. ماما… عمو .. عمو.
ج: كانت تدعو كل رجل عمو. عندها تذكرت ابي، وقلت ليته لم يرحل.
س: ما هي تلك الحادثة التي ذكرتها عن والدك؟
ج: طُلب من أبي ان يفرق احدى المظاهرات، حتى باستعمال إطلاق النار،. وبعد رفضه، كانت العقوبة الإقامة الجبرية.
س: متى بدأت ميولك للكتابة؟
ج: بدأت ميولي للكتابة تظهر شيئا فشيئا، فصرت اكتب ما يشبه الخواطر.
س: كيف كان حبك الاول؟
ج: شاب جميل، وأنيق، من عائلة دمشقية مرموقة، دامت العلاقة الروحية سنوات، وسافر إلى لندن بسبب قانون التأميم.
س: كيف كانت علاقة اختك سوزان ب رشدي اباظة؟
ج:كانت مساعدة اخراج، وتساعد كمنتجة الأعمال الفنية، إلى أن وقع في حبها رشدي اباظة، وكان ينوي الزواج بها على زوجته سامية جمال، لانها لم ترزق له بولد… اختي كانت تحبه، ولكنها لا تريد الارتباط، وكل انسان حر برأيه.
س: كيف عشتم بعدما ترك يوسف الخال العمل في النهار، واقفل الغاليري؟
ج:بعد ان بدأ كل شيء يتأزم ، جاء يوسف يوما ووجهه وقال: لقد جاءني عمل عظيم.
لقد وقعت علي القرعة، اختاروني الاول في العالم العربي، لأقوم بترجمة الكتاب المقدس.
س: خبريني عن موعدك مع عبد الغني سلام
ج: بعدما وجد اخي طريف عملا في احدى الصحف اللبنانية، احببت ان أزوره واشكره.
س: فاجأك الحبيب بزيارة للغاليري ، كيف كانت ردة فعلك؟
ج: حاولت السيطرة على يداي المرتجفة، بينما يراقب ارتجافي، امسك بيداي الاثنتين ، وقربهما من فمه وقبلهما بكل ما يمتلك من حنان الارض.
ثم سألني مباشرة: هل انت سعيدة؟
وعندما غادر الغاليري، كأنه أخذ روحي المتهالكة معه… اذكر بعد ايام، انني أصبت بحالة ذهول وانفصال. عن كل ما يمت للواقع بصلة.
س: كيف كانت حال المنزل في بيروت؟
ج: ضحكت ، وقالت:
هالني ما رأيت…
البيت فارغ من جميع الأثاث
المكتبة خالية
الأبواب مفقودة- الستائر- الموكيت.
طلقات رصاص ،وكتابات على الجدران.
خزانتي فارغة ، وألعاب ابنتي.
ارشيف يوسف عبثوا به، لم يهمهم محتواه.
حين عدت إلى غزير ، وشاهد الأوراق المكدسة علق قائلا:
كأنه مكتوب علي ان ابدأ منً الصفر.
س: ما كان موقفك ، عندما أخبرك انك لم تعودي تحبيه؟
ج: تفاجأت بالسؤال، والسبب اني صرت انام في غرفة ورد ، من كثرة شخيره، وكانت ردة فعله النقد الجارح حتى امام الأصدقاء.
س: عندما أخبرك الطبيب انك حامل لم يبدو عليك الفرح لماذا؟
ج: من أعماقي كنت اتمنى ان انجب اختا او اخا … لكن علاقتي بيوسف تدهورت، ولم اعد اريد الجنين، ولا اعرف كيف عدت عن قراري،
ربما من خلال رينه فرنكودس،
او جارتي الست ياسمين،
او من الالم الذي اصاب إصبعي وانا اغلق باب السيارة، وعندما اخبرت يوسف انني سأحتفظ بالجنين دمعت عيناه لاول مرة.
الشاعرة مها بيرقدار الخال مع ولديها يوسف و ورد
س: كيف استقبل يوسف المولود الثاني؟
ج: اذكر انه قبل راسي
س: طبعا صدمك خبر وفاة الوالدة
ج: عندما وصلت دمشق ، كانت الولدة قد فارقت الحياة، منذ ساعات، دخلت إلى غرفتها ، فخلتها نائمة، ولم اصدق انها رحلت والى جانبها اختي سوزان، وقد تورمت عيناها لشدة البكاء، فجاء طريف وزوجته نفسية وسنداني وقاداني إلى الصالون.
س: هل اتفقتم على تسمية المولود؟
ج: قال يوسف دعوناه يويسفا وعندما ناقشته بالأمر أجابني: هيدا الأمر محسوم، ولا رجعة عنه، اجبت إذن ندعوه وسوف.
س: ما رأيك بباسمة بطولي:
ج: سيدة جميلة، ذكية ومثقفة، كانت تتقن اللغة العربية الجميلة، أهدتني بعض كتبها، وعندما سألني يوسف عنها، اجبت: بكل تلقائية- شعرها اجمل من شعر سعيد عقل.
س: كيف برزت فكرة صالون الجمعة:
ج: كنا أنا ويوسف جالسين في الحديقة، وصلت باسمة، تبعها منير معاصيري، ثم تبعه جان جبور، حاملا عوده، وكان يرافق عوده بترانيم جميلة، يومها كان نهار الجمعة وبدا الجميع مرتاحا وبعد ان أنهى فرير جان من ادائه قال يوسف شو رأيكن يا جماعة انو نعيد السهرة كل ليلة جمعة ونسميها سهرة الجمعة.
س: هل كنت تتوقعين رؤية بشير الجميل ؟
ج: لم أتوقع ان أراه وجها لوجه، اثناء توقيع يوسف كتابه -الولادة الثانية- حتى انه حضر إلى بيتنا واستقبله يوسف ومنير معاصيري.
س:الحمد الله على سلامتك من الحادث في طلعة العكاوي.
ج: كنت اتمنى الموت،، ويا ليتني مت ولا عرفت هذا الالم، بقيت سنة حتى استريدت عافيتي
س: كتبتي قصيدة قصيرة بعد اغتيال بشير ما اسمها:
ج: قمح الطفولة، وغناها ربيع الخولي
س: عرض عليك رئاسة تحرير مجلة -فيروز -لماذ لم تقبلي
ج: انه مركز كبير وكنت أخشى ان يتطلب دواما كاملا ،عندي ولدين ،والمسافة بين بيروت وغزير بعيدة، لكنني كتبت في احدى صفحاتها تحت عنوان صفحة حرة.
س: برنامج تقول الأسطورة، دام مدة سنتين، من اين جاء هذا النجاح؟
ج: طُلب مني ان أعد برنامجا جديدا، فاخترت فكرة تقديم برنامج يحكي عن الأساطير، وتوقفت بعد سنتين بسبب مرض يوسف.
س: ربما سؤالي سيزعجك
ج: لا تفضل
س: هل تخبرينني من مرض يوسف حتى الوداع؟
ج:بدأ بطريقة المشي، ثم أدخل إلى مستشفى أوتيل ديو، وتبين انه مصاب بسرطان في الرأس، وبواسطة الأصدقاء وبركة المرحوم الشيخ رفيق الحريري ، تم نقله إلى فرنسا للمعالجة، بعد انتهاء العلاج عاد إلى لبنان من قبرص، وكان قد خسر وزنه،وبدا نحيلا ، مع بياض في الوجه، وتخللت عودته انتكاسات، حتى انه توقف عن الأكل، وتكفل القصر الجمهوري بطبابته، وقلد وسام الاستحقاق بوجود لفيف من المحبين والأصدقاء.
ذات ليلة سمعت صوت الممرض ينادي، هرعت اليه ، فطلب مني ان اتصل بطبيبه، ونقلته سيارة الإسعاف إلى المستشفى، هدأ بعد ان اجريت له الإسعافات اللازمة، وأمضيت الليل بلا نوم،
وجاء المطران جورج خضر، ليقوم بالصلاة، سألته: سيدنا، كيف تصف ما رأيت؟ قال: الم تسمعي بسكرات الموت؟
بعد وفاته، مررت بايام من الوحدة والتذكر، وكان اصعب سوال يسألني إياه ابني وسوف، ايمتى بيرجع بابا.
س: طبعا كنت بحاجة للعمل:
ج: نعم، الاول جاء من الاذاعة اللبنانية، وعندما جلست لاسجل بعض الأفكار لبرنامج صباحي، يرن الهاتف، وكان المتصل، محي الدين العالية، الذي عرض ١٠٠٠ دولار شهريا، مقابل ان اكون رئيسة تحرير مجلة- ايوان -وانطلقت، وكنت اقفز من الاذاعة، إلى مكتب المجلة، اغسل الثياب، انظف البيت، كنت اتعب كثيرا، لكنني كنت مطمئنة إلى ان ولدي سينعمان بدراسة جيدة.
س: كيف كان تكريمك في عام ٢٠٠٤؟
ج: قلدوني الوسام الوطني اللبناني عن سيرتي، .وبالمناسبةوزير الاعلام غازي العريضي قدم كلمة استثنائية، أنا احبه واحترمه، وبعد ان توفي اخي اسامة ومرور سنوية يوسف، بقي من الاصدقاء، منير معاصيري، وشقيقته فادية، باسمة بطولي، رفعت طربية، وبهيج مالك، اما الباقون فقد تحولوا إلى صور في الذاكرة.
سنة١٩٩٥، بدأت انطلاقتي الفنية الادبية، كنت كل سنة أقيم معرضا ، او أشارك بمعرض او اكثر، حتى كونت اسمي الصغير، ووضعته على الخارطة بفخر واعتزاز، وتوالت الدواوين الشعرية بعد ديواني الاول الذي طبعه يوسف تحت اسم -عشبة الملح- ثم رحيل العناصر-الصمت دواة الروح -وهناك نجاحات اخرى وتفاصيل وردت في الكتاب السيرة. شكرتها على ما قدمته من معلومات واعتذرت منها لانني أتعبتها بأسئلتي.
د. قاسم قاسم
جعلتنا ننتقل بين التفاصيل بشوقٍ فريدٍ. شكرا لك