وصيّة لحفظ الموتى
للشاعرة تانديار جامور
-×-×-×-×-×-
بكثيرٍ من الأغاني المهرّبة
و القليلِ، القليلِ من المواويلِ المحفوظةِ بالملح
سأكتبُ في وصيتي الأخيرةِ
أسبابَ موتي الكثيرِ:
عن غيلان الجليدِ المختبئةِ بمدافئِ المدرسةِ
ببطونِها المحشوّةِ بأنوفِنا الزرقاء
عن رائحةِ النفط المنبعثةِ من فمِ المديرِ
وكفِّه المتخمةِ بالصفعات
عن الثقبِ في مقدمةِ الحذاءِ
والإصبعِ العاري الذي يلوذُ داخلَهُ
خوفاً من فضيحةٍ بعيونٍ حادّةٍ.
فضيحةٌ لن تسترَها فردةُ الجوربِ الضائعةِ
عن الرغيفِ المدهونِ باللهاثِ
المسمومِ بالغربةِ الدسمة
حين أكلتْنا البلادُ بالسكينِ والرصاصِ
عن قلوبِنا التي تركناها للغائبين
مفاتيحَ تحت عتباتِ الهموم
ورحْنا نحفظُ محيطَ الأختامِ في مباني السفارات
وثقلَ الملوحةِ في مقبرةِ إيجة
مثلما حفظْنا جيداً قطرَ السبطانة ..
ونسبةَ الحمضِ على أجسادِ الموتى
عن الأطفالِ الذين تأخّروا بالكلام
ليقولوا دفعةً واحدةً
إنّ تفّاحةً زائدَ تفاحةٍ تساوي خطيئتين
ثم بذنبِ قلم قُضِم رأسُه
تركوا للعالمِ حقوقَهم المحفوظةَ بنشرِ سيرِهم الذاتيّة
ووقفوا أمام أسمائهم..
ينتظرون البذرةَ التي زرعوها بالقطن
فنبتت بصناديقِ الإعاشةِ
أمداداً من السوسِ المدعّمِ بالعدسِ..
الذين بحثوا عن الأرنبِ الذي هربَ خائفاً من قصيدةِ الشاعر
وظلَّ يركضُ ،يركضُ بعيداً
حتى صارَ ذاكرةً بيضاءَ بأذنينِ طويلتينِ
كلّما صرخَ أحدُهم يا بلادُ !
قفزَ من أفواهِنا
كنشيدٍ وطنيّ ..
عن قلبي الذي تركتُه لطفليَّ في الثلاجةِ الفارغةِ
كنصفِ ليمونةٍ جافّةٍ
ورحتُ أبحثُ في الشعر عن قصيدةٍ واحدة
أملأ بها الفراغَ
وهناك
في المدينةِ المسوّرةِ بالماءِ
في الشارعِ المشجّرِ بالأجنّةِ والخساراتِ ا
ستُشعَلُ المدافئُ
ويصير المديرُ رجلَ ثلجٍ بأنفٍ متآكلٍ
ويدٍ مقطوعةٍ
حين تُوزَّعُ الأحذيةُ بالمجّان
ويُلمُ شملُ الجواربِ
سيُفرَجُ عنِ العدالةِ دونَ كفالة
وعندما
يُصحَحُ التاريخُ
وتُنكرُ الأرقامُ لعبةَ التوابيت
حيثُ القليلُ من الأغاني الوطنيّةِ
والكثيرُ الكثيرُ من المواويلِ الطازجةِ
سيعيشُ القاتلُ طويلاً
يتبعُه دمي
الشاعرة تانديار جاموس