عبدالله شحاده :
في البحث عن ملاءة الشعر
ليس من المستغرب، أن يظل شاعر الكورة الخضراء، مطلب الباحثين الجدد و الجديين، على الرغم من دخوله الطويل والعميق، في حضرة الغياب. فقد تحولت شاعريته، إلى نقطة جذرية في حياة هؤلاء، ينطلقون منها، للوقوف على المعنى الذي ينعش النفوس، أدبا وشعرا وفنا وشاعرية.
يجد الباحث الأدبي الأكاديمي اليوم، خصوصا، في شخصية الشاعر عبدالله شحاده ، كما في مجموعاته الشعرية، الملاءة الأدبية التي تليق بالبحث الأكاديمي الرصين. تلك التي خلعها عن منكبيه، حين غذ صعودا إلى السدرة. هناك حيث يستريح، إلى جانب كوكبة من الشعراء الملهمين الذين كانت أطيافهم، تشغل الإجيال التي حطت، كما النسور، على جبل الأرز حينا من الدهر.
د. يسرى بيطار خلال توقيع كتابها البحثي
الدكتورة الناهضة والمتألقة: يسرى البيطار، باحثة من هؤلاء الباحثين الجدد و الجديين، الذين وجدوا في أدب عبدالله شحاده شغفهم، فتتبعته وتبعته. وصحبته في دواوينه كلها. وكانت كلما هدها التعب من المتابعات الرصينة، مالت إلى أيكته الأدبية، وتلمست في الملاءة التي خلعها، الخطوط والخيوط والنسيج، وفن الحياكة الأدبية و الشعرية: عروضا وجماليات وأدبا ونحوا وفنا أخاذا ، فأحالتها إلى متحفها. أحالتها إلى محترفها. تريد أن تتأدب الأجيال بها. في زمن كثر فيه الغث من الشعر ، وقل فيه الثمين.
كتاب الدكتورة يسرى البيطار، حقا من تحفها:
” القيم الإنسانية في شعر عبدالله شحاده. منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحادة الثقافي. بيروت – لبنان – 2024 : 96 ص.” إستطاعت من خلاله، أن تكشف عن الوجوه الأدبية والشعرية والعروضية، التي وقعت عليها، في المجموعة الأولى للشاعر: ( النشوة الصرعى- القوافي الضائعة) . تلك التي تضمنتها مدونة الشاعر: المجموعة الكاملة- بيروت. (منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي. طبعة أولى – 2020).
غلاف الكتاب
تصدرت صفحة الغلاف الأخيرة بهذا المقبوس الذي يشي، بما وجدته د. يسرى البيطار ، وتفردت به ، في عملها . تقول: ” في جولة على حديقتين من حدائق عبدالله شحاده الكوراني الكوسباوي – نسبة إلى بلدة كوسبا – ، في مرتفعات الكورة وهي بلدة الشاعر ومسقط رأسه- العربي الإنساني، رأيت شاعرا ملأته القيم الإنسانية حتى ثقلت سلال الجنى، ثقلا خيرا يملأ الأرض كنوزا ، أثمن من كنوز المال . رأيته ناقدا سياسيا للبنان ووطنه العربي ، حين طغى إقطاعي ، أو تجبر مستبد.
ورأيته شاهرا كلمة الحق حين إنتهك الجمال في فلسطين.
ورأيته ينصر ثورات الحق في مصر وفي كل مكان…
المشاركون في ندوة حول الكتاب قي ثانوية البترون
إنعجن عبدالله شحاده بقيم الإنسانية والجمال…رأيت في أبياته شغف الأمومة، وبر الأبناء، والفضيلة والتقى، والدعوة إلى المساواة. ورأيت الوفاء والعطاء والعلم والحكمة واللطف والخجل، والحب والحنين، والتسامح والتفاني والصدق والمؤاساة، ومشاركة الآخرين الحزن والفرح والبكاء.
وهو ، في هذة كلها ، منغمس في المحبة ، حتى إفتداء من يحبهم…. فهنيئا يا عبدالله ! نم قريرا، مع الناي والكمان، وموسيقى الخلود التي آمنت بها وأحببتها. ومع المحبة التي لا ظمأ بعدها.”
جانب من مقدمة الحضور في احتفالية توقيع كتاب د. بيطار في البترون
يشتمل كتاب الدكتورة يسرى البيطار هذا، على إهداء، خصت به إثنين: والدها الراحل أسد معتوق، والشاعر الراحل عبدالله شحاده( ت: 1985)، الذي تعتبره صديقها. كما يشتمل على مقدمة وفصلين إثنين. وعلى ما أسمته: تطلعات. بالإضافة إلى أربعة فهارس: فهرس للأبيات الشعرية الواردة في المدونة. و فهرس للأبيات الشعرية من خارج المدونة. وفهرس الآيات المقدسة. وفهرس الموضوعات.
لوحة الشاعر شحاده بريشة الفنان والشاعر يامن صعب يقدمها الى رئيسة منتدى عبد الله شحاده المهندسة والشاعرة ميراي شحاده
وما ورد في المقدمة، إنما هو نوع من المراجعة للأوضاع الإنسانية عموما، حيث تهدد فيها القيم. بالإضافة إلى الحديث المفصل عن الإنتهاكات. وعن السلوكيات العامة. وعن الحريات التي إستبيحت. وعن النكبة في العلاقات العامة بين الناس. وقد وجدت في الشاعر عبدالله شحاده، المجن والترس والحصن الحصين، الحامي من الإعتداءات على المستضعفين في الأرض، على غرار الرسل والأنبياء. وقادة الفكر والرأي من المناضلين والمجاهدين.
تتحدث الدكتورة البيطار في الفصل الأول تحت عنوان: “قيم المجتمع والوطن”، مستندة إلى ما حوته مدونة الشاعر. فقالت : إن الشاعر عانى من تشوهاتها، حين وجد الإنسان ذئبا على أخيه الإنسان. فغابت عنه الفضيلة والأخلاق. وسعى نحو المكاسب المادية بأي ثمن .
الشاعرة ميراي شحاده مع زوجها سامي حداد وأولادهما وشقيقتها رندلى في صورة تذكارية مع الشاعر حبيب يونس خلال احتفالية البترون في توقيع كتاب الدكتورة يسرى بيطار
أما في الفصل الثاني: “قيم الإنسان والجمال”، فتحدثت فيه عما وجدته في شعر الشاعر من رقي أخاذ. ومن عشق للقيم الإنسانية. ومن سعي دؤوب لتحقيق الجمال وتحققه. وكذلك لتتبعه أينما كان.
وقد أوفت الفهارس التي صنعتها، بأغراض القراء. فسهلت عليهم المراجعات. كما سهلت عليهم إعمال التدقيق، في كل ما يريدون التدقيق به، والوقوف عليه.
د. يسرى بيطار خلال توقيع كتابها في الاحتفال الحاشد في ثانوية البترون .
الباحثة الشغوفة بالشعر وبالشاعرية المحققة في صديقها الشاعر الراحل عبدالله شحاده، كم نوهت بذلك في إهدائها له، جعلت من بحثها بوصلة إلى شعره و أدبه وفنه. حتى أنه ليحتاجه كل من أراد تنكب درب البحث الأدبي الأكاديمي. خصوصا عند الشعراء الرواد ، وفي طليعتهم: الشاعر الراحل عبدالله شحاده، شاعر الكورة الخضراء، الذي تخلده اليوم مجموعته الكاملة التي صدرت له. ومنتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي، الذي تشرف على أبحاثه، إبنته الأديبة المهندسة والشاعرة ميراي عبدالله شحاده. وكانت هذة الدراسة التي تقدمت بها الدكتورة يسرى البيطار، من أبرز الدراسات، التي تضوئ على أثر الشاعر ومسيرته الشعرية الخالدة.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
الكاتب الدكنور قصيّ الحسين