..إختار موقع ” ميزان الزمان ” بعض المقطوعات الأدبية التي نشرها مؤخرا الشاعر السوري الكبير هاني نديم على صفحته , نعيد نشرها هنا تقديرا ومحبة لهذا الشاعر المبدع والمتميز في مجمل كتاباته بين النثر والشعر ..هنا بعض المقطوعات :
-1-
أنت أرقّ حتى من حملِ اسمك وأجمل حتماً من أن أحكيك..
لقد مرّ وقتٌ طويلٌ وأنا أحوم حول المعنى وأخفق عند المجاز
طيفٌ ولا تراه المرايا؛ دندنةٌ ولا يمسكها وتر، وظلالٌ كثيرةٌ في هذا الهجير..
أنت أنعم من حمل ثوبك، وأخجل من أن تقع عليك نظرات “زعران” الحيّ
حتى هذه القصيدة على رهافتها قد تثقل كاهلك
سوف أقطعها هنا إذ بدأت أظفارها تطول..
سأصمت رأفةً
بـ”دانتيل”
قماشتك
Hani Nadeem
-2-
عسل في العينين و شمعه الخد
عسل في الشفتين، تشتمني
فيتفتح الورد
عسل في عجينة الخصر، سال شلالا على القدمين
عسل فوق النحر، و صبّ الشعر و النهدين
عسل في كل مكان
هنا، وهناك، و بين بين
فمن أين تدخل يا مر إلى قلبي؟ من أين؟
و هكذا و أنتِ تمضين في درب أنوثتكِ
المرصوفة بالقلوب و المزينة بالشهقات
التفتي إلي، أنا المنهك هنا
أنا زقاق العصفور الذي غيّرت عادتك في عبوره
أنا المقعد المجاور و الرصيف الذي ليس له اليوم
إلا ذكرى عطرك و مقامات خطوك
من حقيبة يدك تخرجين منديلا
قمرا تارة، شموسا كثيرة و حقولا
أرانب إن شئت
و إن شئت خيولا
أرجوك منها انبشي عمري، وردّيه لي
حتى و إن كان عمرا قديما
لو أني بائع ورد، كنت أهديتك وردة
كل صباح بحجة أنها ستذبل
لكنني حداد، إن مررت بقربي أحرقت فستانك
أنصحك بالرصيف المقابل حيث لا يطير
لو أني رسام، لأجلستك ّقبالي لساعات
بحجة رسمك
لكنني شاعر، زاده الغياب
غيبي قليلا، قليلا حتى تكتمل القصيدة
Hani Nadeem
– 3-
بكى أبو راجح حينما لاح سنجق الصوفيين النازل من البيت الكبير
بكى كذلك حينما فاز منتخب سوريا على اليابان، بكى أيضاً حينما ماتت شجرة الدلب الكبيرة، وحين بشّرت شجرة الزيتون وعندما مات أبو سليم وفي عرس سليم وقبل الحرب بكى أبو راجح، وبعدها لم يختلف الأمر..
كان يبكي على الدوام كنبعة درب الجوز التي تنفض الماء نفضاً عن ثيابها إلا أنها لم تنقطع منذ أن نكشها جده وهو يحوّل الطريق أيام العثمانيين..
قال له أبو محمود وهو يبيعه التتن: كنتَ أقوى من حجر صوان. ماذا جرى لك حتى صرت كخزان صفيحٍ مهترئ؟ يكفي يا أبا راجح…”فرجيت” عليك خلق الله!
إلا أن أبا راجح نظر له بقسوة زمان وقال له: لأنني اكتشفت أنك منذ 50 عاماً تغشّني في التنباك.. “ومثلك مثايل”.
راجح أكدّ لمن سار في جنازة أبيه
أنه لم يسمعه ضاحكاً منذ ثلاثين عاماً إلا حينما أكد الطبيب أنه لن يعيش طويلا..
قال: ربّت أبي على كتف الطبيب الشاب وأعطاه “حرج” زبيب..
وأطلق ضحكةً دوّت في الأرجاء
Hani Nadeem
-4-
وهكذا…
أعلّبُ الحزنَ وأرفعه على الرفوف لأفتحه في يومٍ مشمسٍ وسعيد!
تماماً
مثل تلويحتكِ الأخيرة التي لم تلّوحي بها وتقتليني – بفرد مرةٍ –
بسيف الغياب
أيضاً،
تعبتُ من جمالك،
من هذا الوجه الممتلئ بالخطايا المذهلة والشامات
تعبتُ وأنا أحصي انهزاماتي أمامه.
تعبتُ وأنا أركض في مفازة هذا الحب السحيقة دون زاد
وهكذا يا حبيبتي..
أفتّش خزائنَ الحزن، أتموّن منه لي، ولأصدقائي والجيران،
فلا أحد يعلم متى يداهمه الفرح
بابتسامته
البليدة
Hani Nadeem
-5-
صباح الخير أيها العمر الذي انزلق من قبضة كفّنا كسمكة بلّوط في نهر..
صباح الخير أيها العمر المرعب وأنت تركض في شعاب الوقت وتلاحقك الذكريات الجسام..
صباح الخير
شكراً أننا تعبنا وحزنا وفرحنا وأحببنا
وأنشدنا الأغاني والأشعار
شكرا لرفّ الحجل الذي من “خرطشة” بنادق الخوف
كان بين أقدامنا
وطار..
Hani Nadeem
-6-
وثيقة الحياة تقتضي أن يكون لديك
صديقٌ وطريقٌ
وامرأةٌ جميلةٌ تحسن حبس الريح في النايات
وثيقة الموتِ تقول:
متْ وأنت وقوف
على أعلى قمة متْ..
لا تمت بين الجروف
Hani Nadeem
-7-
هنالك حلمنا…
وكبرنا؛ فأنجبت أمهاتنُا أخوةً لنا
حتى لا تصغرَ “كنزاتنا” الصوفُ
هنالك..
نحن أبناء الزعلِ والفقرِ والزمهريرِ
لا يقتلنا سيفٌ ولا يميتنا خوفُ
نحن من عشنا مع القهر
كتفاً بكتف
نموت من الغبطة
ـ كثيراًـ
ونموت ـ دوماً ـ
إن مسّنا
حيفُ
Hani nadeem
رائع كما عهدناك