الباحث والكاتب د. أنطوان يزبك
ضيف” ورد الكلام ”
مع الكاتبة والاعلامية كلود صوما
-×-×-×-×-
كتبت كلود صوما :
بعد غيابٍ قسريٍ بسبب الانفلونزا ، اعتقدت فيه أن الألم صديقي ، يلازمني كخيالي ، يسلب أفكاري وينهك قواي ، عدتُ أستنشق عبير السعادة في صباحات تزرع في قلبي الفرح والراحة والسلام.
عدتُ لورد الكلام ، هذه الفقرة الجميلة، لأتنفس النقاء والأمل مع بداية عامٍ جديدٍ ومع مقالات متنوعة وضيوفٍ جدد.
انه الباحث والناقد والكاتب والمثقف الذي يبتعد عن وسائل التواصل الاجتماعي ، لكنه يرافق الجميع ويتابع أخبار الشعراء والكّتاب ويقرأ ويحلل نصوصهم وقصائدهم .
بعد دردشات عديدة ” اقتحمت” فيها صومعته وحاولت سبر أغوار هذا الكاتب البعيد القريب .
الباحث د. أنطوان يزبك
١_ الباحث والكاتب انطوان يزبك
كيف تعرف القراء عنك؟
أولا تحياتي زميلتي الحبيبة المبتسمة دوما والمتفائلة في كل الظروف كلود صوما سفيرة الدبلوماسية و دبلوماسية الأدباء اما كيف أعرف عن نفسي ؛ انا منذ البداية وانا طالب في المدرسة اقرأ بنهم واحب الفكر والأدب والشعر والشعراء والكتاب. وكنت أستعير من والدي جهاز الراديو الترانزيستور آنذاك كي استمع الى مقابلات مع أعلام كبار من أمثال مي المر و سعيد عقل وتوفيق يوسف عواد وكثر غيرهم وهذه كانت أكبر متعة لدي .وذات يوم تلقيت وعدا من زميل لوالدي من بلدة بسكنتا بأنه سوف يأخذني لزيارة الأديب والفيلسوف الكبير ميخائيل نعيمة وطرت من الفرح غير أن الزيارة لم تحصل مع الأسف بسبب ظروف الحرب وتوفي ميخائيل نعيمة ولم تسنح لي فرصة زيارته.
بحسب اعتقادي البسيط كل إنسان له دور في الحياة و هدف و مسار .انا دخلت عالم الأدب والثقافة والشعر والفلسفة والكتابة الصحفية النقدية وهذا هو شغفي وما نذرت نفسي له وهذا هو المكان الذي يلائم نفسيتي و شخصيتي .
بدأت مشواري في الكتابة سنة 1991 في دار عواد للنشر التي كانت تصدر مجلة الفصول اللبنانية وبعد ذلك مجلة الرائي ومن حينها انطلقت لأكتب في مجموعة كبيرة من صحف ومجلات لبنان والعالم العربي. كتبت في مواضيع عديدة وصفحات مختلفة إلى أن صرت اهتم بالأدب فقط وذلك بسبب الظروف أولا ، وثانيا رغبة مني أن لا ادخل في جدليات لا طائل لدي لاحتمالها. ولو خيرت لكنت عملت محررا رياضيا أو محررا في أدب الرحلات لما في ذلك من متعة و تشويق بيد أن الإنسان لا يستطيع العيش في قصر الأحلام كل حياته.
٢_ حدثنا عن هذه المسيرة الأدبية والنقدية الزاخرة بالمقالات والدراسات
كتبت مقالات نقدية تتناول كتبا ادبية وروايات وسينما وفن تشكيلي وكل ما له علاقة بالحياة الثقافية إلى أن تعرفت بالآديب الكبير جورج شامي رحمه الله الذي فتح لي باب الكتابة النقدية فكانت الحصيلة كتابين عنه :
-جورج شامي والمسّ الجمالي
-قرابين مشتعلة
كما كتبت عن المرحوم جان سالمة كتابا آخر :
-جان سالمة الملاك الحالم
وآخر لحبيب سماحة :
-حبيب سماحة و عشق الكلمة.
وكتاب آخر عن الأب مارون الحايك الانطوني لم ينشر بعد .
ورواية تحت عنوان المتعة اللاتينية ودراسة عنوانها البحث عن عالمين . أستطيع القول أن ما كتبته لا اندم على حرف واحد مما ورد فيه. لأنه نقد علمي طورته من خلال الدراسة المتواصلة لسنوات طويلة؛ كنت أقرأ لمؤلفين كبار مرموقين مطالعات لكتب و قصائد فلم تكن تقنعني ابدا لأنها مجرد كليشيهات يمكن الصاقها هنا وهناك وتقال لفلان وعلان وكأنها مطالعات “ستاندارد” معلبة ، وفي المحصلة ليست نقدا لا ذما ولا مدحا هي مجرد محسنات لغوية رنانة طنانة لا تفيد إلا في حفلات التكريم والتوقيع من أجل التصفيق و الناس يرددون : حلو حلو من غير جدوى أو منفعة. وفي نهاية الحفلة ينسى الناس كل ما قيل من قبل المنتدين.
هذا هو الأمر الذي دفعني إلى البحث عن صيغة جديدة لمقاربة النصوص. صيغة جديدة بالنسبة لجماهير حفلات التواقيع والتكريمات حيث المديح والتبخير ، ولكن هذا النهج قديم طبعا بالنسبة للنقد العلمي وللأكاديمي ، بمعنى أنها علمية و موجودة وحقيقية. وما كان عليّ سوى أن أجد الوسائل البديلة لنقد النصوص لا المدبح ولا الذم بل صيغة علمية جديدة و مفيدة.
٣_ أفهم منك إذن انك تستعمل طرق مدارس نقدية في مقالاتك و دراساتك أم أنك تبتكر امرا جديدا ؟
في الواقع نعم ولا ؛ للنقد مدارس ونقاد كبار من أمثال رولان بارت و هيمسليف و باختين و تودوروف، ولا ادعي أنني اطبق حرفيا نظام هذا او ذاك ولكنني آخذ بعض التقنيات والمهارات وأقوم بوضع مقاربات نقدية تشبه النص الذي أتعامل معه وكل نص هو مدرسة وكون بحد ذاته ولو أنه مرتبط بتاريخ معرفي طويل و ثقافة ممتدة في الماضي إلى البدايات إلى التكوين الأول للإنسان وفكره ومشاعره و حدسه وطريقة تعبيره عن سائر الأمور .
كنت مزمعا إصدار كتاب نقدي عن الشعر والحركة الشعرية في لبنان ؛ في العقدين الأولين من القرن 21 لكن صرفت النظر عن المشروع ، ذلك بسبب عدم اقتناع الكثيرين بضرورة تغيير وجهة الأدب والشعر خصوصا في عصرنا الحديث وعدم البقاء في سجن الماضي و طريقة تفكير بالية صارت مؤذية للغاية و مضرة ..لذلك فضلت صرف النظر عن الموضوع لأننا اليوم في غنى عن وجعات الرأس.
٤_غيابك المتعمد عن وسائل التواصل الاجتماعي ألا يؤثر سلبًا على مسيرتك الأدبية؟
هذا السؤال مهم جدا وكثر يستغربون كيف أنني لست على ” فيسبوك” وهذا أمر يبقيني في عزلة عن الحياة الأدبية والثقافية؛ ولكن انا بطبعي لا انسجم كثيرا مع الدفق السريع للمعلومات والنصوص والقصائد فأنا اذا قرأت كل ما يتم نشره في يوم واحد حتما سأصاب بتعب و دوار واجهاد نفسي وعقلي لأنني لا استطيع ان أمر على القصائد مرور الكرام ولا اتفاعل معها ؛ لذلك اؤثر الابتعاد واقرأ يوميا قصائد من اختياري و بحسب نفسيتي و تطلعاتي وهكذا أَحسَن لي ، وفيه راحة و هدوء و تركيز أكثر على ما أود ان ادرسه وأفهمه . اقرأ ما أريد ولا يلزمني أحد.
٥_ ما هي أهمية ومساوىء الذكاء الاصطناعي الذي يغزو العالم في المجال الأدبي والكتابة؟
تابعت هذه المسألة عن كثب وكان لي فيها رأي وتحليل وكتبت عدة مقالات في هذه المسألة وهي مسألة مهمة الآن . التكنولوجيا كما نعرف سيف ذو حدين في كل شيء . لقد طور الإنسان السيارة لتوفر عليه الوقت في التنقل ونقل البضائع في الشاحنات الكبيرة؛ فكانت سببا لآلاف الوفيات في حوادث السرعة . كذلك الذكاء الاصطناعي الآن فهو من وجهة الاستعمال لجلب معلومات أمر مهم جدا ومساعد ولكن هل يستطيع أن يحل مكان المشاعر الإنسانية والعاطفة؟ هل يستطيع أن يخلق عاطفة الحب مثلا بين شخصين و يقوي رابطها ؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها ودائما عجلة التقدم تكسر رؤوسا كثيرة وهي تتقدم ولكن في نهاية المطاف ستظهر على السطح حقائق الأمور التي كنا عنها في غفلة و غياب. والتقدم العلمي والتكنولوجي أمر واقع ولا نستطيع الوقوف في وجهه انه حاصل لا محال .
٦_متى يعيش الأديب أو الشاعر أو المفكر فترة حزن وكآبة و إحباط؟
كل مفكر وشاعر وأديب يعيش في حالة دائمة من الحزن والتساؤلات و الكآبة وهذا أمر معروف ها هو فيكتور هوغو يصادف شحاذا على قارعة الطريق في ليلة باردة فيكتب قصيدة رائعة عن الفقر والتشرد. و فرانز كافكا لازمته الكآبة كل حياته إلى درجة أنه طلب إحراق كل ما كتبه. وقد اقول انه لولا الحزن والأسى و القهر والكآبة ما كان أحد ليكتب أو يؤلف شيئا ما .أما بالنسبة لي فأنا أي شيئ سلبي يدخلني في كآبة كبيرة لا اول ولا آخر لها خاصة الآن بعد رحيل الاهل و الأصحاب لقد صار عددهم كبيرا في المقلب الآخر من الوجود. ولكن هذه هي الحياة لم نعرف لها طريق آخر فسلكناه .
٧_ ما هو السؤال الذي لم اطرحه وتوّد الاجابة عليه؟
بالنسبة لرغبتي في الإجابة على سؤال لم تطرحيه يا كلود؛ اقول لك نعم أحب أن أجيب على مواضيع كثيرة وأسئلة أخرى عديدة و ذلك عن مستوى الشعر والأدب في الربع الأول من هذا القرن ولكن أفضل عدم الإجابة وان الزم الصمت في الوقت الحالي لانها أيام صمت وتبصر وتأمل أكثر مما هي أيام كلام وشرح بعض الأمور لن يكون بذي أهمية الآن لربما في وقت مقبل وأيام آتية .
أتقدم بالشكر والتقدير لكِ ، ولأسرة موقع “ميزان الزمان” الثقافي دوام العطاء والاستمرارية والنجاح .
الكاتبة والاعلامية كلود صوما