امرأة من حرية…
بقلم : حسن سرور
-×-×-×-×-
في روايتها الأولى” أمرأة من ورق ” الصادرة عن دار فواصل – بيروت 2024 تبدأ آنا ماريا انطون روايتها بكثير من الثقة بالنفس وهذا محفز لاستمرارية الكاتب ، لكني أخالفها الرأي بأن الكتاب الأول هو الأسهل، فالصعوبة هي ببداية الكتابة وليس في تتاليها في كتب أخرى ، رغم صعوبتها أيضاً. فمخاض الإنجاب الأول إبداعي لا نعيش تجربته من قبل إلا نظرياً، او كما يروى لنا. تتبنى الكاتبة لغه سهله سلسه، تهرب بلغتها من الضوضاء والصخب إلى الإلهام كي لا تضيع فرصتها ، كما ضاعت تلك إبان مرحلة الخوف والخجل، فقررت اللجوء الى الطبيعة والهدوء كي تخرج ما بداخلها بطمأنينة وأمان. إنها تكتب الحياة في رواية متفائله رغم الواقع الصعب والتحولات النفسية التي تنتاب الإنسان، هي تعيش وجودها لنفسها: “العمر عمري والوقت ينسكب من ساعتي أنا وحدي ولا أحد سواي” كي تنعم بحريتها. الحرية ليست فوهة البركان إنما قوة الدفع التي في أسفله كي تخرج ما فيه.
الكاتبة لديها شيء من هيدغر أي الوجود مع “الدازين”، “كل ذرة في الفضاء تتنفس معنا النفس ذاته، تشاركنا اللحظه ذاتها”. كما لديها شيئا من عبثية كامو بمرورها على وفاة والدتها وكأنه واجب الذكر ليس إلا. كما أنها لم تنعم بالاستقرار رغم تبني عائلة ثرية لها ، ففضلت حضره المغيب عن العلاج النفسي، والبيت الريفي الذي يمكنها من أن تخرج ما في داخلها وبخاصة بعد توارد الأفكار والتلاقي مع العم نجيب الذي يعمل في ذلك المنزل الذي لديه الكثير من الخيال والتأمل وبعد النظر.
تمارس الكاتبة ثورة على الموروث بكل ما فيه من تقاليد ورياءات انضباطية موهومة.
الثورة الثورة للتغيير.
إن توأمتها مع العم نجيب جعلتها أكثر عمقا حين يدعوها “اصرخي.. تحرري.. حلّقي.. احلمي…”
انها رافضه متمرده “أنا لست أنا، عمري ليس عمري، أهلي ليسوا أهلي، وهذا ليس كوكبي.” وقد طمأنها العم نجيب بصمته ومعرفته طالما أنها لم تعرف له مثيلاً. كأنه منحها المزيد من الثقة بوجودها الموجود في داخلها أصلا. إن الحوار بينها وبين العم نجيب ابتدعته الكاتبة لتوكيد ما تود قوله…
مهما تعددت الأشخاص فكل واحد هو تجربته التي هي مفتاح وجوده، لكن الإنسان صاحب الإحساس المرهف والخلاّق يمكنه فك شيفرة المبدعين مثال “حنين”.
أما بورغيزي الذي هو الطموح للتفرد والراحة والخروج على كل السلطات كي يكتمل المشهد الإبداعي، فلكل مبدع مكانه الإبداعي، خارج مفهوم المكان المعتاد، وهذا هو مكانك الذي ترين فيه ما حولك وما بداخلك…
تنهي روايتها كما يقول هيراقليطس : “لا يمكنك أن تسبح في ماء النهر مرتين” لأن الماء يجري ولا يتوقف كما الحياة…
بعد هذه القراءة الفكرية لا يفوتني التنويه بجمالية اللغة وبساطتها المعبرة ورومانسيتها هذه اللغة هي آنا ماريا انطون…
شكرا لإبداعك
حسن سرور
الكاتب حسن سرور