كتبت الفنانة التشكيلية سهى صباغ :
أين الفنّانين. أين المُبدعين. أين هم ممّا يحدث على السّاحة!؟
سؤال يتكرّر وأسمعه يومياً حتى أصبح سمفونيّة، والقى بإعلاميين وصحفيين، يصرخون من على صفحاتهم ويسخرون من الفنّانين وممن يتعاطون بالمجال الإبداعي. كلما حصلت مُصيبة يصرخون هازئين. ويصبّوا جام غضبهم على المُبدع الذي حان وقته لِيُعبّر، أو يكون لديه موقفا سياسيا وإنسانيا مما يحصل في البلد، أو على السّاحة في المنطقة.
من جهّتي، أُصفّق لكم وأنحني تقديراً لصراخكم “علينا”. نعم اصرخوا في وجوهنا ، أنِّبوننا , نحن عديمي الإحساس. بعدما بكيتُ واستيقظتُ على كلامكم وتوعيتكم لي. نعم معكم حقّ حين تنتقدون من يتعاطون “الإبداع بالسمنة” بسبب مواقفهم اللاوطنيّة، وبعضهم “شعراء السلطان” وهناك “تشكيلة تُشبِهُهم من الإعلاميين الأبواق (ومداخيلهم تمام). لكن هل أنتم تقصدون هؤلاء، هم من سيقف مع قضايا الشعوب المُحقّة؟ هل تقصدون هؤلاء الذين عملوا من أنفسهم مضحكة أو مسخرة، أو مُخبرين وعُملاء!؟ أمّا من ينتقدوهم فيُساعدوهم أكثر حين يُعيدوا نشر تغريداتهم وتحليلاتهم “العظيمة” كإدانة، ومُغنين ومُغنيات لا يصلحن لِيُغنين ولا حتى في الحمّامات، عمل البعض من مواقفهم وكلامهم حِكمة اليوم التي عليها أن تنتشر وتُذاع، ولم يفطنوا أن إعادة النشر هو إضاءة ينالون عليها راتب أو إكراميّة زائدة؟
الفنانة التشكيلية سهى صباغ
نعم أنتم من “ينتقدنا” بالجملة نحن من يتعاطى الإبداع، تشملوننا مع هؤلاء آنفي الذّكر، ولا تبذلون أي جهد للإضاءة على عمل فنّي جدّي، سَمّه ما شئت، إبداعي، خارق، وطني، إنساني إلخ..
اسمعوا أو اقرأوا جيّداً يا فطاحلة النّقد (طبعاً أنا أتكلّم عن نفسي، وباقي الفنّانين ومن يدّعون أو ينتحلون الصّفة “يصطفلوا” بآرائهم، وبعض وسائل الإعلام تأخذ بيدهم).
أولاً الفنّان ليس كبسة زرّ لِيُطلَب منه أو يُشار إليه ما الذي عليه فعله ومتى.
الفنّان الحقيقي يا “فاوست زمانك”، والذي يُعجبني أسلوبك بالكتابة، والذين تقومون بملفّات في جرائدكم كي تنتقدوا “المبدع” الذي لا يمتلك منبر كحالكم (وبعضكم يسرق من أفكارنا إن كان من فيديو فني أو ما شابه، ولا يقول المرجع) ليعرض أو ينشر أعماله، وبالمناسبة حتى عندكم وعند غيركم من المنابر الإعلاميّة أنوفكم في السّماء فوق الغيم. إن أردنا نشر نصّ، “تنقعوه” بدرجكم على أساس “مش ملحقين نشر” دون الاكتراث لنوعيّة العمل المُقدّم إليكم، إن أردنا نشر لوحة أو رسمة، نعتقد أننا بحاجة لاجتماع “جامعتكم العربيّة” لتقرّروا إن كنتم تتكرّمون بالموافقة على نشرها، أو “تطعجون” رقبتكم.
وعلى فكرة العمل الذي ننشره أو نودّ نشره هو دون مقابل أو مُكافأة ماديّة، فقط نرغب بنشرها كي لا تُعفّن أعمالنا بمخبئها، ولكي نوصل موقفنا أو رأينا أو حتى دموعنا على ما يجري من أحداث، وهذا مقصدكم على ما أعتقد من إنتقادكم لنا كمُبدعين “لا يطلع صوتنا”.
من رسومات سهى صباغ
.. بعثتُ مرّة بصورة عمل من أعمالي لصحيفة “محترمة” فنشرها المسؤول عن الثقافة، في مكان عليك أن توظّف فريق عمل ليبحث عنها بين الصّفحات، وأعلمني أنه سينشرها فقط لأن رئيسه طلب منه نشرها، بينما قبل ذلك بأيّام قليلة نشر لرسّام “فقط لأنه أجنبي” رسمة متواضعة على الغلاف. طيّب روحوا ابحثوا عن الأجانب في زوايا الشوارع في بلادهم وآتونا بإبداعاتهم ومشاعرهم الفيّاضة، ولا تقتربوا منا ولا تتطاولوا علينا. ” مش ناقصينكم” نحن. يكفينا زعران السلطة المُتحكّمة بمصائرنا وحياتنا.
تريدون دموعنا؟ على فكرة دموعنا ليست ملككم أو ملك غيركم، ولن تعرفوا بها أيّها المُتعجرفون الذين أصلاُ ما من يوم سألتم لماذا لا يظهر الفنانون “على العيان”؟ أين أعمالهم؟! وتسألون فقط “للتنقير” علينا.
بكل الأحوال، شكراً للسؤال والله لطفكم واهتمامكم أخجلاننا. وعلى فكرة أيضاً، أنا أنشر من وقت لآخر على وسائل التواصل بعض أعمالي المُنفّذة بطريقة الفيديو_آرت، وأحياناً صور لوحات وبالعديد منها أشتغل على مواضيعنا المُعاشة وعن المقاومة، رغم أنها تسبّب لي المشاكل مع إدارات تلك المواقع وأنشرها بالتّحديد على تويتر الذي يتواجد عليه النّخبة مثل أفضالكم، من عباقرة الإعلام والصّحافة والكتّاب، وما من مرّة مرّ أحدهم على منشور من منشوراتي لأي موضوع من الموضوعات التي تطالبوننا بالتعبير عنها، ولا أحد غيري بالبلد ينشر مثل هذه الأعمال.
يا سادة يا كرام، إن أردنا طبع ونشر رواية، وروايتي قابعة من سنين في درجها، ومجموعتي الشعرية قابعة أيضا في درجٍ آخر ، ومجموعتي من القصص القصيرة كذلك لا تجد طريقها إلى دار نشر أو صحيفة مديرها ليس بحاجة لوساطات كي تُنشر لديه، أو لدى من حنَّطه على كرسي كمدير الصفحة الثقافيّة مثلاً، وهو أحياناً لا يعرف مفردات ومعنى كلمة ثقافة، وخاصّة من المبتدئين الذين تُنصّبوهم مُدراء (رواتبهم زهيدة مثل ثقافتهم) فينشرون لأصدقائهم ولا يعرفون من ال”عباقرة” غيرهم. أو أفكار لأفلام وثائقيّة لا تجد من يتبنّى إنتاجها وعرضها، وأؤكّد لكم على الصّعيد الشّخصي أن ما من عمل أنجزته إلا وكان على المستوى الذي يليق، (ولو كنت في أي بلد آخر لقدّروا عملي) والمكافأة تكون داىما التجاهل بأقلّ تقدير.
ماذا تريدون بعد أن تعرفوا عن أمورنا وهمومنا المستورة، وأنا المؤمنة أنْ “إرحم عزيز قوم من ذلّ”.
في الرسم يا سادة، وبخفّة تستعرضون مَن حفظتم بعض أسمائهم من فنّانين عالميين مرّوا وعلّمت أعمالهم في التاريخ الفنّي (ومعظمكم لا يعرف من الفن شيء إلا ما يقرأه بالصّدفة على مواقع التواصل). أُعلمكم وأُذكّركم أن هؤلاء الفنّانين لم يكونوا في بلادنا الكريمة التي لا تحترم الإنسان فكيف سَتَتَعَمْلَق وتحترم الإبداع!؟
في بلاد الذين يحترمون الفن وأعمال فنّانيهم اجتاحت العالم، لديهم نقّاد “مُتخصّصون ” يفهمون بالفن، يُعَرّفون الناس على أعمالهم. لذلك انتشرت أعمالهم، وليس لأنني وغيري لسنا بمنتجين للأعمال الإبداعيّة.
من رسومات سهى صباغ