د. قاسم قاسم يقرأ ” إمرأة من ورق ” للكاتبة آنا ماريّا أنطون الصادر حديثا عن دار ” فواصل” في بيروت والذي ستوقعه المؤلفة في جناح دار” أبعاد ” يوم الأحد المقبل في معرض بيروت العربي والدولي للكتاب في البيال .
كتب د. قاسم قاسم :
من نهاية السردية كما افضل ان اسميها، تبدأ حنين بالكلام وتقول:
تمسك وجهه بيديها الاثنتين، تتأمل تفاصيله، وبحنان بالغ، تطبع قبلة على خده، … وتجلس على الكرسي الهزاز الذي بجانبها، وتبدأ بالكتابة.
والسؤال ماذا كتبت (إمرأة من ورق؟)
كتبت عن وفاة والدتها بعد ولادتها ، على ظهر باخرة ، مما جعل القبطان يحتار في امرها، وتشاء الاقدار ان يتبناها كمال وزوجته هدى واسمياها حنين.
طفلة هادئة لدرجة انك لا تشعر بوجودها، ومع ذلك لم تكن كغيرها من الاطفال، لم تشعر يوما بالانتماء الى هذا البيت والعائلة، وكأن شيئا بداخلها كان يخبرها بان كل ما حولها ليس لها.
كانت تتوق الى الحرية، وعندما كبرت كانت الكوابيس تلاحقها فعرضها اهلها على طبيبة نفسية، فلم تقتنع يوما بهذا التحليل، فحزمت امرها لتكمل اعترافاتها امام حفرة المغيب، وتلتقي بعدها بالعم نجيب الذي منعوها اهلها من التحدث معه، ولكنها كانت تهوى مجالسته منذ الصغر، وهو الذي امدها بالارادة على تحمل كوابيسها.
لذلك كانت تتنهد، وكأن اجزاءها تتحرر شيئا فشيئا عند سماع كلمات العم نجيب:
حاربي النار بالورق، صيري امرأة من ورق.
الكاتبة والمؤلفة أنا ماريّا أنطون
وارتدت الكاتبةاحدى شخصياتها، وقررت ان ترمي بنفسها بين انامل الصدفة، لعلها كما تقول تجد بين تجاعيد الوقت شيئا من الالهام.
فتنشيء حوارا صامتا فيه من الحكمة الشيء الكثير حين تقول:
هناك من يناقش الاعمال
من يطرق باب الحب بخجل
من يأكل الوقت ببعض النسيان
الناس في حياتنا كالاحلام
بعضها يضحك
الاخر يبكي
وتتابع :
واجمل الافلام تلك التي تجعلك لا تعود كما انت.
وينصحها العم نجيب دوما بحكمة الرجل الفيلسوف:
اختبري الحياة
مما تخافين ؟
وتحاكي كلام العم نجيب بقولها:
يتزوج الانسان خوفا من الوحدة
وخوفا من الموت يموتون كل يوم
يجيبها : يا ابنتي:
لا تدعي الخوف يقيد اجنحتك.
اصرخي، تحرري، حلقي، احلمي، انت كاتبة ، والخوف مقبرة الكتابة…لا تحاولي فك الغازي، اصنعي تجربتك بنفسك.
غلاف كتاب ” إمرأة من ورق ” للكاتبة آنا ماريا أنطون الصادر عن دار فواصل في بيروت .
وهكذا تبدو العلاقة تشبه علاقة الجميلة والوحش، كانت الجميلة كما تسرد الكاتبة ، يكفي ان تقول اتمنى لو، وكان الوحش يستمع الى رغبتها, فتتحقق الامنية.
وفي غمرة شرودها المعتاد تسمع طرق يد على الباب تسلمها دعوة الى إيطاليا لحضور معرض لرسامين غير معروفين، وتبدو الزيارة بالنسبة للشخصية انتشال من الماضي.
لذلك تصغي لصوت يقول لها؛
كي يفوز الرجل بقلب كاتبة، عليه ان يحارب لاجل مقعد شاغر ، وعليه ان يسبق الالهام ، ويباغت حدسها ، في مشهد لم يكتبه خيالها، وان يتفوق على الكاتبة في نصها..
لذلك حين اعتذر وسام عن حضور توقيع كتابها دعاها الى العشاء ، وقدم لها هدية وعبّر لها عن مشاعره واعجابه بها.
فردت: ارجوك وسام، دعنا من هذا الموضوع.
وسام: الى متى؟ الوقت يمر وانت تهدرين عمرك على ذكرى.
اجابت:انا سعيدة هكذا، النسيان خيار ، وليس إلزاما.ووسام كان يقصد ضياعها سنوات وهي تحاول ان تطرد الخوف والكوابيس.
ويطل نادر الشخصية التي وجدت الدفء في حضنه ، فيأخذ بيدها الى ذلك المكان السحري .ويجلسان تحت شجرة البيلسان، وهي كانت كلما اصابها الضجر تهرب الى حديقة اهلها بالتبني ،وتجالس العم نجيب صوتها الداخلي.
وهنا يندرج السؤال عن علاقة شجرة البيلسان بها، يأتي الجواب:
لا اعرف من اين ابدأ؟ وفي اي اتجاه اذهب؟
وعندما فتشت ،وجدت ان اسم الشجرة مشتق منsavoc وهي قرية ايطالية، لذلك كان لا بد من زيارتها، وقطعت وعدا انها لن تعود الا اذا توصلت الى شيء ما، وهذا هاجسها منذ طفولتها. وبعدها يأخذها نادر في رحلة عبر الزمن رحلة سوريالي، ويقفان امام الساعة المائية، ساعة من زمن آخر ويقول لها:
قفي امامها، راقبي كيف يتحول الماء الى وقت، ليعود ويكرر ما كان البارحة ، وما سيكون غدا.
وتعيدها الافكار الى تلك الصدف:
انا لست انا
عمري ليس عمري
وفي لحظة جميلة وتحت خدر النعاس تلقي بعفوية نفسها في صدر نادر ،وترمي كل الاسئلة الصعبة، وهنا نذكر كلام وسام:
الى متى؟ تهدرين عمرك
وتجيب: النسيان خيار ،
وليس إلزاما.
فهل علاقتها بنادر مجرد ذكرى، وجاء بها خيالها، ولها الحق ان تهدر الوقت كما تشاء.؟
في السردية يقودها نادر الى كوخ خشبي، فيه صندوق حالما فتحته لم تجد سوى اوراق بيضاء، فارغة، وفي قعره صدفة وحيدة.
فهل هي تؤام تلك الصدفة؟
ويبدو ان العم نجيب مرافق افكارها، قال لها مرة في الحديقة:
اريد ان تاخذي من الصندوق الصدفة
ومعها وجدت في الصندوق رسالة ، حالما فضتها قرأت
الى حنين:
يقولون ان لا احد يختارمن اين يبدأ؟ واين ينتهي؟ ولكن هناك استثناء، تركت لك تلك الاوراق البيضاء، فقد اخترت موطنا من ورق الشجر، وانعكاسا من ورق الرسم ،قلمك كله من ورق… انت يا ابنتي امرأة من ورق.
هي سردية عن الوقت والخوف
حكاية عمر وموت
رواية لقاء وفراق
وكتبت من ارتدت ثوب الكاتبة امرأة من ورق،
وحين سألها الصحافي عماد
لماذا اخترت تسمية الكتاب( عند يغفو الامل)وهي قصدت عملها .
وجاء جوابها:
لان الرواية تحكي عن طفلة عانت الكثير، ورغم الواقع الجميل فضلت الخيال لانه عندما يغفو الامل لانعود نرى بوضوح لان الخوف يعمينا.
وكرر سؤال العم نجيب:
هل لي ان اسألك كم فرصة فاتتك بسبب الخوف.
ويأتي جوابها:
ربما حين تقرأ الرواية- ( السردية) تكتشف سبب خوف حنين.
د. قاسم قاسم مع الكاتبة آنا ماريا أنطون