“نصف جسد”
قصيدة للشاعرة لارا ملاك
-×-×-×-
حبلٌ وحيدٌ أمام الشّمس
أنا الجسد النّحيل
البقاءُ الطّريُّ
يلفظُني التّبغ سرًّا..
ألوكُ الجفون من الوجوه
وأمضي إيقاعًا هزيلًا..
البوح مكانٌ ساذجٌ
كالبرد يكوي الأيدي الصّغيرة..
أقول للبّ الخوخ كم أخاف منه
لأنّه أبقى وأنضج..
أقول للنّساء إنّي الجسد العارف
إنّي بلا منامٍ واضحٍ
إنّي الرّيح المطروحة على الأثداء شبقًا..
لكنّي تحت المنام
وتحت الأثداء
وتحت الرّيح..
هناك على مسافةٍ بعيدةٍ منّي
أشدّ حبلًا وأخاف أن يُقطع
أشدّ الحبال كلّها وأهوي..
لا حكاية لي إلّا المكان
لا سرير لي إلّا الحكاية..
أقبض على جفني جمرًا باردًا
ولا تستكين عيناي
ولا تغفو الأبواب الّتي فتحتُها عبثًا
كأنّ ما أحرقني لم يترك ندوبًا
ولا ذاكرةً ولا ضحايا..
صدري مفتوحٌ على العتبات الحائرة
بابي المقفل شبّاكٌ مفتوح..
طاولتي الثّابتة قدمٌ ترتجف..
أصحو كي أرسم المرآة من جديدٍ
أنام كلّما شكّلني الضّوء
كلّما قايضتني العتمةُ بالحقول البعيدة..
تقول لي زهرة الهندباء كم آلمتُها
تقول لي إنّ السّماء زرقاء من كفّي الأزرق
والتّراب تحتي منايا أزهقها العدم وأرهقها
هي الأزهار ما أصابني
حتّى تبدلّت أصابعي شوقًا..
هي الألوان ما اعتراني ذات صبحٍ
حين نضجت حقول البنّ أو ذبلت..
أقطّع اللّيمونة وأعتذر لها عن كلّ هذا العنب
أحرق الملح وأعتذر للبخور..
كأنّي دوارٌ كاملٌ على حافّة مبضع
أو نومٌ خفيفٌ أصاب شرابًا باردًا..
أصابعي ذاكرتي الصّغيرة
ارتجافي الكبير أمام النّار القديمة
أمام الثّلج الجديد..
سأترك الحرائق الكبرى من حولي وأغفو..
سأترك الأسرار للعارفين وأنام
أنا الوسادة تسمع وجدها وقوفًا
أنا المقعد الخشبي يطوي انتصابه
أنا الخشبُ يحدّث الثّبات عن النّار
ويقبّل عود الثّقاب قبل أن ينام..
أزرع الدّخان في جلدي كي تنجلي عيناي..
شَعري الرّماد المجعّدُ
شَعري القليلُ الكامل
يسهو بلا حلمٍ..
جلدي أضيقُ من طريقٍ
أوسع من بوصلة..
غُرِزت أظافري بي
كأنّها مباضع العالم
كأنّي الجسدُ الوحيد..
هو النّوم ما أصابني
حين كنتُ أضاجعُ الرّيحُ..
حين كنتُ أخامر الوسادة وألعنها..
واقفٌ حتّى التّصدّع
جالسٌ حتّى انحناء الجدار الطّريّ..
أسدّ الغياب بقطنٍ لاهث
أجولُ الأصابع..
تقول بي الهندباء قصائد لوعةٍ
أقول بها الشّبقَ الحكيم..
سأشرب البقاء
لأنّي رشفتُه الواعية..
سأرسم الغياب مرآةً نحيلة..
قطعتُ المناديل والمنايا رحلةً واحدةً
سرقتُ الهواء كأنّه الطّعنةُ الوحيدة..
الجفاف ما أصاب اللّعنات الواعدة
حتّى عرّى بي صدري وأظفاري..
لي من الهواء دخانه
من الدّخان خديعتُه وظلّه..
فتحتُ الطّريق إلى الجسد
قطعتُ الخيال عن البخور..
قايضتُ الحلم بالفجيعة..
لي قمرٌ آخر
لي ما كان الجمالَ وصار التّجلّي..
لي ما كان اللّوحةَ وصار النّساء
كلّهنّ بلا أجسادٍ وبلا أثداء..
لي خيالُ الصّابرين
السّابحين في البقاء المنفلتِ الحرّ..
كم غفوتُ
كم صحوتُ
كم هويتُ خمرًا لاذعةً على الموسيقى..
كأنّ الصّوت مكان الجسد
كأنّ الصّمت حضور الملء..
كم سقيتُ الماءَ لونًا
حتّى نسيتُ البياضَ الخفيف..
حتّى شخّصتُ السّواد نصًّا..
حتّى ملأني نصفُ جسد..
الكاتبة والشاعرة د. لارا ملاك