مقالة “السبت الثقافي ” مع الكاتبة والاعلامية دلال قنديل :
“الغرباء” على أرضهم يستودعوننا أرواحهم. ليلة السابع من تشرين توقظ أسئلة “كامو” الكبرى.
-×-×-×-×
كتبت دلال قنديل :
الأدب لا يطعم خبزاً لأجيال “الحجارة” لكنه يصنع ثقافة وعلماً ومعرفة كرسها الاوائل من الادباء على مر مسيرة الآلام.
يركز غسان كنفاني في كتابه “الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال” على قضية التعليم كأحد ركائز العنصرية الصهيونية التي يجب مواجهتها.
اي ثقافة نمت داخل سجن غزة الكبير؟الصوت الواحد المسموع،بطابعه الديني هو ايضاً صوت الصامتين المقهورين الذين لا يجدون تعبيراً عن موتهم إلاه.
فلسطين تبدلت أصبحت اكثر “فلسطينية”.
الخطابات التي كانت تُصنع في الغرف المغلقة في عواصم قياداتها لا تصل الى شارعها النازف، المتألم حد الموت.
هول المجزرة، الابادة الجماعية،
سيناريو النكبة المتجدد،بعد واقعة السابع من تشرين بكل إستتباعاتها.
ربحت فلسطين جولة ولم تربح الحرب.وهل تنتهي حرب بإبادة شعب أو تهجيره؟نكبة الفلسطنيين منذ عام ١٩٤٨ دليل على الإجابة بالنفي.الحرب تجر حروباً،القهر يستولد قهراً،الذل يستتبع إذلالاً وهكذا…الى أن يستقيم العدل.
عبر الشاشات نتلقى النداء،كأن بنا أمام مشاهد مكررة، الأمُ تنده أطفالها ” ماتوا وهم جياع”.الأب يطبطب على جثمان طفله الرضيع كأنه يلوذ بنوم عميق.
أين نرمي تلك الآلام ونمضي لنومنا وسط المقابر التي طافت بالموت؟كيف نهرب لملاذ الأسئلة الصعبة .
نتلمسُ اللحظة من ثقوب الماضي الساكن يطل الموت ،من ثقوب الأسى المتسرب من جروحنا المفتوحة على إلاستنزاف.
قد تُطرح أسئلة كثيرة عن الكيف ولماذا؟
في السياسة كلام كثير يقال ، لكنه يسقط ويتهاوى أمام أوراق النعوة التي تلقيناها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لسلالات عائلات نجا منها نفر ،ربما لينعي من رحل.وهل ينجو من مات أهله ودُمر بيته ؟
ذاك الشاب بعينيه الحادتين، شعره الفحمي، كان يوجه نداء الاستغاثة على موقع “إكس” إهتزت جدران غرفته ،تلاشت الصورة أمام أعيننا وبقينا مشدوهين…
موت بالبث الحي،بالصورة والصوت،موتٌ علنيٌ ليس صامتاً كعادة الموت الخاطف. الموتى قبل الغياب تركوا بصمتهم والعالم لا يحرك ساكناً.
من ينجو من سلالات الموتى يردد إنه بقي لينتظر حتفه،ليتلو أسماء من رحلوا.في المساء تُبث رسائل الوداع :”إن لم تتلقوا تحياتنا عند الصباح نكون قضينا ليلتنا الاخيرة بعدما إستودعناكم الامنيات.”
مئات الفلسطنيين نشروا تغريداتهم تلك، إستسمَحوا أصدقاءهم الافتراضيين،بعضهم قضى بقيت صفحاتهم مفتوحة بمثابة تأنيب ضمير.
الافتراض في عالم الواقع يبيح الاسئلة المحظورة ،عن العدل المفقود في مقاييس عالم يدير أذناً طرشاء لاستغاثات المُغتصبة ارضهم على مر السنين.
الاعلام الغربي بإستثناءات نسبية بسيطة، غابت عنه تلك المشاهد ،توقف الحدث فيه عند ليلة السابع من تشرين.
في مسرحيّة “العادلون”، يحكي “كامو” عن مجموعة شبّان روس يعدّون لاغتيال القيصر. حين وصلت العربة التي كانت تقلّه ، اقترب منها الشخص المطلوب منه أن يلقي القنبلة داخلها، ويدعى كالياييف، لكنه وجد فيها أيضاً أطفالاً، فتراجع عن تنفيذ مهمّته. كالياييف لم يتمكّن من قتل الأطفال، حتى من أجل العدالة،
بالنسبة إلى هذا الشابّ الروسي، الثوري ينبغي أن يكون إنساناً أولاً ليستحقّ صفة ثائر. لكن، في المقابل، كان هناك شخص آخر يدعى ستيبان، وهو النقيض لكالياييف لأنه من الذين يعتبرون أنّ الغاية تبرّر الوسيلة وأن الأفكار أهم من البشر وأهم من الأطفال.
هذه الحادثة تختصر السجال القائم وتعيدنا إلى السؤال الأول: هل نتخلى عن إنسانيتنا ونحن نناضل من أجل القضايا الإنسانية العادلة ؟لتبقى الإجابة مذيلة بسؤال شاق ما هو مصير الأبرياء على أرض مشبعة بالدم؟.
دلال قنديل
الروائية والاعلامية دلال قنديل