مسكونة باللون والحنين..
ندى سكاف شاعرة تعشق العربية وتكتب بالفرنسية والايطالية.
كتبت الاعلامية والكاتبة دلال قنديل :
حساسيةُ الشعر تتعدى اللغة الى ذاك العمق الخفي للمشاعر الذي تتشعب مساراته.نتاجُ الفنانة اللبنانية – الايطالية الشاعرة ندى سكاف يأخذنا لتأملاتٍ في تجربة تخرج عن إنضباط الخلق الإبداعي.
منذ طفولتها نزعت للوحدة والهدوء”كنت أشعر كأن أحداً يعتدي على خصوصيتي إذا ما إرتفع صوته وهو يحدثني أو يعنفني في المدرسة او خارجها.”
“كان يصعب أن نجد السكينةَ في زمن الحرب إلا بالإنزواء والوحدة والصمت.”
الشاعرة ندى سكاف
لهذه الدرجة تبدو عميقة سكينة ندى التي عايشت الحرب اللبنانية في طفولتها ومراهقتها ، أو ربما لهذه الدرجة تُعبرُ بفنها عن رفضِ الكامنِ في ذاكرتها للدماء التي سالت بالقرب منها.
لا نخرج من التجارب دون أسى، هذا ما يتكشف لنا بوعي أو بلا وعي، لكن ندى تقول: “خَلقتُ بالقراءةِ عالماً موازياً، الفرنكفونية المترسخة في مدرستي وبيئتي أتاحت لي هروباً آمناً الى عزلتي. كنت أَدخرُ الأموالَ لشراء الكتب، كانت قراءاتي بدايةً محصورة برواد النهضة والتنوير من الأدباء الفرنسيين ،ثم توسعت لقراءات في الفلسفة ،تعمقت مداركي في فترات لاحقة لديستويفسكي وتولستوي وغيرهم”.
الشاعرة ندى سكاف
-من ألهمك للشعر وحفزك بعد سنوات لنشر ديوانك الأول ؟
-“اعتقد اني تلمست الطريق الى ملهمتي نادية تويني التي أنجزت أطروحتين عن شعرها .. اطروحة تخرجي من الجامعة واطروحة دراساتي العليا في الأدب .منذ المراهقة وهي تسكنني ،قلق المرض والموت، مآسي الحرب والاقتراب من البلد المُعتل بالحرب الذي آثرت الابتعاد عن ضوضائه، جعلتني متمسكة بمسارها الأدبي الذي لا شك دفعني للكتابة والتجرؤ على إصدار الديوان الاول.”
غلاف ديوان ” الحمم السوداء ”
ديوان ” زهرة الملح ” سيترجمه الشاعر هيثم الأمين قريبا إلى العربية :
الموسيقى في تدرجات لهجة ندى تتكامل مع حيوية جسدها.تكتب كما تتنفس وتتكلم وتعيش، بحيوية فائضة لا تكفيها ساعات نهار لسيدة عصرية، تمتهن التعليم ،تُصمم المجوهرات،تكتب الشعر باللغتين(الفرنسية والايطالية) وتتقن اليهما الانجليزية والاسبانية.أما اللغة العربية فعهدت الى الشاعر هيثم الامين ترجمة ديوانها ” زهرة الملح”تمهيداً لنشره بأقرب فرصة .
غلاف ديوان ” زهرة الملح ” للشاعرة ندى سكاف
من قصائد ديوان ” زهرة الملح ” :
من إصدارات الشاعرة ندى سكاف الشعرية باللغات الفرنسية والايطالية م
إنشاد قصائد الشاعرة ندى سكاف في حفلات موسيقية :
طفولتها الخجولة، مغروسة بضجيج سنوات الخبرة المتراكمة، اثمرت علاقات ممتدة مع مجموعات ثقافية متعددة وتجسدت مؤخراً بإنشاد قصائدها في حفل موسيقي ضخم ساهمت في تنظيمه ليعود ريعه لموسيقيين لبنانيين.
عن تلك التجربة تقول ندى في حواري معها:
“وُلدت الفكرة في ذهن قائد الأوركسترا الفرنسي في نيويورك ، جان بيير شميت ، الذي اكتشف دولة الأرز بعد وقت قصير من إنفجار مرفأ بيروت في آب أغسطس 2020.
وستشهد بيروت في العاشر من تشرين الاول اكتوبر الحالي حفلاً مماثلاً.
الشاعرة ندى سكاف مع الموسيقار جان بيار شميت خلال حفلة موسيقية
تصنع الموسيقى مواطنين في العالم لأنها تحاور العواطف وتتجاوز أي خطاب مصنوع بالكلمات.
برفقة عازف الساكسفون من نيويورك خافيير أوفييدو. جُمعت الأموالُ لموسيقيي الأوركسترا الوطنية اللبنانية خلال الحفل الأول .
وهكذا بدأ تعاون مستمر بين ثلاث دول – إيطاليا حيث أعيش ، والولايات المتحدة حيث يقيم المايسترو شميت ولبنان حيث يعيش الملحن نيكولاس ج شعنين .
بذلك قصيدتي” آدم “، تحولت إلى قطعة موسيقية عُزفت خلال حفل في نيويورك .
نص قصيدة ” آدم ” للشاعرة ندى سكاف التي تحولت الى قطعة موسيقية
للاستماع ومشاهدة فيديو قصيدة ” آدم ” اضغط على الرابط أدناه :
تبلورت تدريجياً فكرة إقامة حفل موسيقي في نابولي الايطالية.
عائدات الحفل تم جمعها لصالح
” Beirut Chamber Orchestra”
وهي منظمة غير حكومية تمول الدراسات وتساعد الموسيقيين اللبنانيين المتضررين من الوضع السائد في البلاد.في نابولي تم التفكير في مكان فريد ، الكنيسة الصغيرة غير المكرسة لـ Pio Monte della Misericordia
حيث تم العثور على واحدة من أجمل أعمال كارافاجيو التي مازالت موجودة في الكنيسة منذ أكثر من أربعة قرون.”
لوحة كرافاجيو الموجودة في الكنيسة
بأحلام الشعراء حماسة ندى لا تهدأ،لا تقف طموحاتها عند تطوير كتاباتها الشعرية الى “رواية خارجة عن المألوف” كما تصفها.
-كيف لشاعرة تكتب بلغتين أن يسرقها شغف تصميم المجوهرات ؟
” الحلم ربما نفسه ، يأخذنا الى ذكريات الطفولة ، الى جدي فؤاد فتال تاجر المجوهرات الأرمني الآتي من حلب وصائغ الذهب المرصع بالألماس، وتلك الأحجار الملونة كأني أرى بريقها الآن، خطفت بصري منذ تلقيت منه هديتي الاولى.”
“إستيقظ في داخلي هذا الشغف عندما أهداني زوجي عقداً من المرجان ، بدلت تصميمه، وجدت متعة في توليد تلك الاشكال بما يتلاءم مع مزاجي.وكلما كانت تلك المجوهرات تلاقي إستحساناً، إزداد عدد صديقاتي اللواتي يتزين بحليّ أصنعها لهن، بما يتلاءم مع شغفي وما استشفه من مشاعرهن.وعندما يرتدين ما أصممه أشعر بفرح ويتعاظم شغفي بفنٍ لطالما كان لغزاً أنثوياً خالصاً.”
الشاعرة ندى سكاف تصمم مجوهراتها
خيالات لبنان تُطوعُها ندى بتشكيلات فنية تحضر الارزة في معظمها .كذلك على غلاف ديوانها الارزة راسخة في الجذور،حتى لو بدت أقل شموخاً، كأن بندى تستظل ذاك الرمز المتبقي من وطن يتهاوى وهي مؤمنة بأن “وطناً يتمدد وينتشر في بقاع العالم بنجاحات تفوق التوقعات لا يمكن ان يموت”
تردد بثقة.
“ممتنة للاقدار لأني وُلدت في لبنان .تلك البقعة من العالم الغنية بتنوعها.بلد يتيح لنا السفر بين جباله وبحره بثقافات غنية ، كأنه لؤلؤة في اعماق بحر هائج ، لذا خوفنا عليه يكبر .”
ديوان ” قطرة الندى ” باكورة اعمالها الشعرية عام 2013
بين ٢٠١٣ ديوانها الأول “زهرة الملح” و٢٠٢٠ “قطرة الندى” تقول الشاعرة إن القلق يكبر من محاولات الانتصار على أهواء الذات وهي أصعب المعارك التي لا يخلصنا منها سوى المزيد من صقل الأحاسيس .”
سليلةُ الشمس من بيروت العاصمة الى نابولي في الجنوب الإيطالي ترسم ندى طريقَ الأحلام، كذاك الموج الهادر ،لا يهدأ حتى ينجو من أهازيج الاعاصير ويخط رقصةَ الرملِ على الشاطىء .
دلال قنديل
إيطاليا
الكاتبة والاعلامية دلال قنديل
حوار شيق وقلم رشيق سواء الشاعرة او كاتبة المقال. تهاني الحارة