” السبت الثقافي” بقلم الكاتبة والاعلامية دلال قنديل :
أصالة الفن وتجاوز السائد تعيدان فريدا كاهلو للتربع على منصات الموضة العالمية للشتاء
-×-×-×-×-
“كن نفسك ولا تتبعني…إتبع ذاتك”تثبت التجارب الابداعية مقولة غوتة .الأصالة الإبداعية المتأتية من المعاناة تحفر عميقاً ولا يمر على نتاجها الكتابي او الفني الزمن . ألا يظهر جلياً هذا الاستنتاج بإستحضارنا حتى اليوم لكبار الفلاسفة والكتاب من القرون الماضية؟ بل أيضاً لحياة فنانين ليسوا اقل شأناً في تكوين ذوقنا المعاصر.
الايقونة الرسامة المكسيكية العالمية فريدا كاهلو واحدة من هؤلاء .
لباسها المزركش ،الفضفاض والخاص برونقه وإندماج ألوانه المتنافرة احياناً حد الانصهار بجسدها المُستتر،
يُفردُ كلوحات تتصدر واجهات ومنصات عروض أبرز دور الازياء العالمية التي إستعادت فريدا بملابسها ومجوهراتها كملهمة لتصاميم وأزياء شتاء ٢٠٢٤ وبينها” ديور” التي قدمت عرضها الاول في المكسيك تحية لتلك الايقونة الخالدة.
من عرض ديور في المكسيك تحية ل فريدا كاهلو
أصالة فريدا كاهلو وزوجها دييغو وعلاقة الحب الخاصة، بين الاقتراب والابتعاد والالتحام والافتراق، والتي تكرست بزواجين بينهما إنفصال،ما زالت ايضاً نقطة جذب لباحثين مختصين .
من عرص ل فريدا كاهلو
حررت دانييلا فيريتي ونشرت بمناسبة معرض بادوفا، لملابس ولوحات ومقتنيات فريدا مجلداً بالصور والألوان وبطباعة رفيعة عن عالم هذين الفنانين المكسيكيين. إلى جانب اللوحات الرائعة لفريدا والتي جمعتها مع دييغو ريفيرا.
يكشف بحث اكاديمي جُمع في كتاب آخر لألكسندرو غلاسو مسار ونشأة إسلوب الفنانة فريدا كاهلو في التلاعب بالنظر وتوليد الدهشة لدى من يراها.بإعتمادها ألوان الطبيعة والشمس ومطرزات الازهار وهي المولودةبين حربين عالميتين. يعمد الباحثون لتحليل دوافع سحرها الخالد رغم عمرها القصير.
يضيء البحث على انها تجاوزت المألوف لما كانت تقدمه دور الازياء العالمية آنذاك للمرأة على إختلاف شريحتها الاجتماعية. بقيت فريدا ،رغم تنقلها بين قارات عدة،أسيرة ذاكرتها الطفولية التي تُظهر الدراسات الحديثة أنها كانت مصدر إلهامها في إرتداء تلك الازياء.
كما يُلاحظ في تسلسل عرض مقتنياتها فإنها كانت توغل بالانضباط التصاعدي معتمدة النسق المكسيكي الذي حملته معها منذ عانت الشلل، وبعد تعرضها في عمر الصبا للحادث الأليم الذي أدى الى بتر ساقها.
التنانير الفضفاضة ،بتنيات متعددة وأقمشة حريرية وقطنية كانت تُسحر رفاق جيلهما من الرسامين.
وبعدما رُفعت الستار عن خزانتها التي ابقاها زوجها خمسين عاماً بعد وفاتها بعيدة عن الأنظار ، تَلفُت الدراسات الى العثور على كنوز فنية من الاكسسوارات بينها قرطان من الذهب اهداها إياهما بيكاسو الذي جمعته بها علاقة خاصة.
فريدة كاهلو
أفردت الكتب الصادرة حديثاً صفحات لرأس فريدا المزين بقطع من القماش تتلاعب بها كمجسمات فنية .
أصالة التوليف في هندامها جعلتها ايقونة منذ وفاتها عام ١٩٥٤.
مشاكل عصرنا المتفاقمة مع توسع الحروب وإنهيار النظام البيئي وسط التخريب المتمادي لكوكب الارض، الذي يبشرنا العلماءبأنه قريباً لن يعود صالحاً للحياة، ربما يتيح السؤال كيف للبعض أن يركن لإعادة دواليب الزمن الى الخلف، للتأمل بفنانة عبرت قبل عشرات السنوات والعمل على تشريح أسلوبها بالعيش والاكل وتعلقها بالحيوانات ولا سيماالقرود والطيور وبأنواع الفاكهة؟.
تحضر صورتها اليوم مشعةً بأزياء الشتاء، بكامل عبثيتها وزهدها ، تلك الألوان بقماشها الفضفاض تشعُ على أجساد العارضات في عواصم العالم.
الصورة عن الكتاب ل فريدا كاهلو بعدسة الزميلة دلال قنديل
كانت فريدا منذ زمن طويل قد احتلت المرتبة الأولى “فوغ” عام ١٩٣٧ ، وهو تاريخ مهم من حيث بدايات تأثيرها على الموضة. صَوَرتها آنذاك إدنا وولمان ، المخرجة الشهيرة للمجلة من عام١٩١٤ إلى عام ١٩٥٢ .
الذاكرة في الفن الحقيقي نبع لا ينضب.المبدعون صورة عن كل ما مرّت عليه عيونهم، أفكارهم تراكم منقح للمعتقدات التي عايشوها وتجاوزوها لمكنوناتهم الذاتية.
الأنهر لا تجري مكانها، لذا لا غرابة ان نتفحصَ زوايا غامضة في سيرةِ فنانة جعلت من الألم نافذة خالدة لضؤ يمتد لأعمار اجيال متعددة.
دلال قنديل
ايطاليا
الكاتبة والاعلامية دلال قنديل