“السبت الثقافي” في ” ميزان الزمان ” مع الكاتبة والاعلامية دلال قنديل :
الجزء الثاني من الحوار مع رئيس جمعية جبران خليل جبران المخرج اللبناني / الأوسترالي غلين كاليم حبيب :
-×-×-×-×-×-
تخرج الكلمات بلهجة لبنانية ثقيلة، ولا تلبث أن تنزلق بحيوية وهو يحدتنا عن جبران .. إنه رئيس جمعية جبران خليل جبران “غلين كاليم حبيب” المخرج اللبناني الاسترالي المقيم في مالبورن.يلبس زياً أسترالياً محض، لكنه يحدثنا عن زياراته الدائمة لمسقط رأسه في الشمال وزياراته التي لم تنقطع للبنان الذي تعلق به من نافذة جبران خليل جبران التي تتجاوز ما نراه في لبنان اليوم، الى الماضي الزاخر بالحضارة والفكر الجبراني اليقظ الذي تجاوز الأزمنة، الى الخلود.
“جبرانيون” حول العالم تكاد تشبه هذه المجموعة التي تعمل على إصدار ترجمات بلغات جديدة لكتب جبران ، رغم أن عدد اللغات التي تُرجم اليها جبران قاربت ١١٧ لغة يقول جلين وهو يعرض في حوارنا نمو مشروعه لإنشاء مجموعة جبران العابرة للقارات.
بعد ان حاضر في الصين يتطلع الى الهند واندونيسيا وتايلاند حيث شريحة واسعة من الشباب تهتم بجبران ، هذا ما تبشرنا به أرقام متتبعي الموقع.كما تلحن مجموعات أميركية شبابية كلماته ،مثلما لحنت “البيتلز” جزءاً من أدب جبران في الماضي .
غلين كاليم حبيب
الجزء الثاني من الحوار مع غلين كاليم حبيب :
مما قاله غلين في الجزء الثاني من حواري الغني معه والذي سأنشره تباعاً:
“في تلك البلاد نكتشف بعد البحث ان الاهالي يسمون اولادهم بإسم جبران وهو اسم يتردد بالمئات.هذا دليل آخر أن فلسفته لا تموت وهذا حافز إضافي لنستمر رغم ضعف الإمكانات”.
“جبران العالمي حمل تعدد الحضارات في لبنان بفكره الإنساني الحر، أتعبته فكرة أن يستظل به الآخرون، كما حصل بعد كتاب “النبي”.أن يطرقوا بابه لأخذ بركته كأنه نبيهم.جبران أراد لكل منا الخلاص ، الذي لا طريق له سوى من داخلنا، بالحرية والمحبة وهما توأما روحه المتعالية.”
تتبع مسار جبران حافل بالصعاب والمفاجآت والاكتشافات يقول :
ترجمات جديدة ولقاءات واماكن مغمورة أقام فيها جبران بينها مكان كتابة “النبي”…يوم تلقى دعوة للاقامة في منزل الشاعرة البوسطنية ماري غارلند ،هو بعض ما تكشفه تلك الجهود المتواصلة لمجموعةجبران الدولية.
-لاحظنا أنكم ركزتم على كشف جوانب سياسية غير مرئية في شخصية جبران ، ماالذي تَخفى من حياته ايضاً؟
-صديقي الكاتب والمترجم الاكاديمي الايطالي فرنشيسكو مديتشي كان على علاقة حثيثة بالمواقف السياسية لجبران التي لم يتم إظهارها للعلن في ازمنة سابقة.وقد تحدث بعمق عن علاقة جبران بيوسف الحويك وعن تفرد جبران بمواقفه ودفاعه عن قناعاته.كان جبران ضد الفكرة الداعية للتقسيم اي عزل لبنان عن محيطه آنذاك.كان يحث على بلورة الاستقلال ضمن المجموعة المحيطة به اي سوريا الكبرى.وكان حازماً في موقفه ايضاً ضد العثمانيين في الوقت نفسه.
كان جبران وفق ما تُظهر الوثائق والمراسلات حريصاً على لبنان لكنه يراه اقوى اذا بقي ملتصقاً بذاك المحيط الاوسع.لذا لم يستجب لأي دعوة لأن يتبوأ موقعاً سياسياً أو ان يكون جزءاً من إطار ما حتى لو كان ظاهره أدبياً ، في حال كانت الدعوة للانفصال والتقسيم هي عنوانه.
تظهر وثائق نيويورك قربه من اصحاب القرار في تلك المرحلة، وكم كان جبران يحضر لقاءات ويشارك في مناقشات حيوية دفاعاً عن أفكاره.وقد كان صاحب تأثير لدى بعض المؤثرين في القرار الدولي.
كان جبران رؤيوياً، تكشف وثائق ١٩١٩ كيف انه لم يشارك في لقاءات إستجاب لها أمثال الأديب ميخائيل نعيمة.كان جبران متميزاً عن النهضويين في تلك المرحلة.
-لاحظنا أن كتاب “النبي” يشكل أعلى تجليات جبران الفلسفية هل منبع ذلك العزلة الاختيارية في تلك الحقبة؟
-بالفعل، لاحظنا من شهادات عديدة أن “النبي”هو أكثر من كتاب.تجليات جبران الانسانية والفلسفية والتأملية وحتى الفنية جُمعت في هذه النصوص التي ترتقي بالنفس البشرية الى أعلى مقام.كأن به يشذب الشوائب التي تعيق مسارنا الانساني.
لابد من التوقف أيضاً عند تلك الحالة المنهكة نفسياً التي خرج بها جبران بعد إنجاز كتاب “النبي”.
-بأي معنى؟
-الروايات التي جُمعت عن تلك الفترة الجبرانية، نستمع فيها الى صوت جبران الهارب من الحشود حوله .كان يلجأ الى التصوف والتنسك.كان يكره نظرة الآخرين له ك”نبي”.كان البعض يطرق بابه لرؤيته والتبرك به مثلاً.
هكذا لم يجد طريقاً سوى الفرار للعزلة مرة اخرى…أراد أن يحيط نفسه بالطبيعة للتأمل وأن ينتمي لحريته ليحلق بعيداً وعالياً. كانت شقته صومعته الخاصة،بعد أن أنهى كتاب” النبي “في مزرعة نيويورك للكاتبة والشاعرة” البوسطنية” ماري غارلند.وقد عثر صديقي فرنشيسكو على الوثائق التي تثبت أن جبران إستجاب لدعوتها، ولم ينجز “النبي” في منزل شقيقته وفق الاعتقاد السابق.بعدها أحاط نفسه بمساحة خاصة،للتأمل والطبيعة .تلك الصور الادبية المتنوعة التي خرج بها مستوحاة من نزعته للانصهار مع الطبيعة.كان حراً ، متلون المزاج ، متعدد المواهب بالرسم والموسيقى، على مثال الطبيعة الأم.
بقي جبران ثلاث سنوات تقريباً بعد “النبي”مطبقاً على نفسه.إستسلم لنزعته التصوفية بالكامل.
-بعد مرور هذا الزمن ما هي الوثائق التي تستندون اليها، هل كلها نُشرت ؟
-شهادات شخصية عديدة ساعدتنا على تجميع سيرة جبران ،لا بل على إعادة بناء بعضها.كذلك عثرنا على مخطوطات ومراسلات وحتى في حوزتنا فيلم قديم ننتظر الفرصة لإستخدامه مصنوع بنموذج ١٦ ملم ومعالجته تحتاج تقنية عالية.هذا الفيلم كان ملكاً للحكومة الاميركية وأتيح لنا استخدامه.من ضمن الفيلم مقاطع مصورة كان الجيش الاميركي آنذاك يستخدمها لرفع معنويات عناصره.كانوا يسترشدون بأقوال جبران المسجلة لتعم السكينة النفوس المتعبة بالتقاتل والحروب.
الاعلان عن المجموعة والتواصل مع شريحة واسعة من المهتمين بجبران يسهل المهمة الى حد ما.لكن جهودنا الفردية تبقى متواضعة.
-المرأة في تكوين جبران الادبي، تتوارى، تطل وتختفي.كأن به في نزاع بين حضورها الجسدي، المادي المكشوف، وروحها المحلقة فوق كل ما هو دنيوي، كيف أبرزتم ذلك؟
-المرأة، الحبيبة المستترة طبعاً متجلية بمراسلات جبران.اما المرأة الأم فقد إختارت بالهجرة حريتها. دفعت جبران لإكمال تعليمه الاكاديمي على ان يغطي شقيقه بطرس التكاليف من عمله المبكر.كان لها الاثر العميق في نفس جبران، صوتها الحزين الذي كانت ترنم فيه الاغاني ،في بشري ووسط بؤس المعاناة والمرض في اميركا ، كان محركاً لذاك الحنين الى الوطن الام لبنان.
(يتبع)
دلال قنديل
ايطاليا
الاعلامية والكاتبة دلال قنديل