الإمام الصدر في كتاب:
أحكام القيمة
لم يتسن لي قراءة كتاب عن الإمام المغيب السيد موسى الصدر، يحوي على مثل هذا الكم العظيم من المعلومات والصور واللقى، كما وقع لي في كتاب:
عبد الحليم حمود وشادي منصور: الصدر. سحر ما فوق الغياب. زمكان. ط.1 .2023- بيروت.280 ص. تقريبا”.
إستوفى الكتاب مادة عظيمة، من حيث المعلومات التي أوردها. ومن حيث الصور التي ضمها بين دفتيه. ومن حيث الأحكام العامة التي أبرأها. فجاء شاملا مانعا. يسرد التفاصيل دون تعثر. ويثير الذكريات بكل تجرد. ويسيل الشهية لمعرفة المزيد من الأخبار.
ولدى الإنتهاء من قراءة الكتاب، يشعر القارئ، أنه إستغرق كل التفاصيل الدقيقة، بحيث يصبح من المعجز أن يكون هناك من مزيد.
أبرز ما في هذا الكتاب، هاتيك الأحكام التي أطلقها. وهي من نوع أحكام القيمة، أو ما يماشيها في مسائل النقد الأدبي والنقد الثقافي. والنقد السياسي. والنقد الإجتماعي. وقد أوفى المؤلفان: حمود ومنصور، مثل هاتيك الشروط. بحيث إعتمدا على أحكام القيمة، أكثر من إعتمادهما، على المعايير الأخرى، بعد بلوغ النقد، على أيدي النقاد المعاصرين، من نوع قضاء العجلة/ أو نقد العجلة. لهذا أراني أقول: إن هذا الكتاب، قد إستوفى بحق جميع شروط الكتابة، لا عن الإمام المغيب وحسب، وإنما عن مرحلة أراد الماجنون أن يخونها، أو يمحونها، أو يغيبونها عن عيون الكتاب والقراء والنقاد. بل عن عيون جميع الناس، الذين عرفوا الإمام، وذاقوا معه طعم الحرمان من جهة. وطعم الطمس والتغييب القسري، والغياب الكلي، عن المرحلة التي كانوا يريدون رسمها من بعده، لبلاد صارت كلها، في الشتات.
يقول شادي منصور في مستهل الكتاب تحت عنوان العيون الخضراء والصندوق الأسود:
” حركة المحرومين”، إسم كان له وقعه في ذلك الزمان. وعرف بعد ذلك بإسم “حركة أمل”. إختطف “الإمام” في تلك الصحراء البعيدة…. إلا أن أقواله بقيت راسخة على الجدران وفي القلوب. وإمتدت أفكاره في الكثير من المؤسسات التي تحمل إسمه. سيرته الأولى- والتي يظنها البعض بديهية- غابت عن جيل متشعب الرموز والأصوات والأفكار. من هنا ولدت فكرة هذا الكتاب في محاولة إكتشاف وإستكشاف، لتلك الأمور التي نعتقد أنها بديهية. لكنها لم تكن كذلك، حين فتحنا بعض الخزائن، وإنتبهنا إلى تلك التفاصيل التي مرت ضمن حواراته وشذراته”.
أما عبد الحليم محمود، فقد أوفى كلامه، تحت عنوان: الصدر رئيس زمانه. ومما قال فيه:
” صغيرا عاصر “موسى الصدر” الحرب العالمية الثانية، وكان شاهدا على خسارة فلسطين سنة1948.واكب العدوان الثلاثي على مصر، كما واكب الحرب الباردة والحارة من المقاومة في فيتنام وأزمة خليج الخنازير في كوبا. ثم هزيمة العرب في العام1967.وصولا إلى ترميم الهزيمة في العام1973.عاش الحرب في لبنان. ثم وقوعها في نيسان1975. هو إبن زمن التحولات وإحتشاد المحاور… في داخله رجل خارج حدود التصنيف…”.
الكاتبان شادي منصور وعبد الحليم حمود
يعرض الكتاب لملامح الصدر الأولى، في بيت العائلة. وإلى حياته العامة بين الجامعة والجامع. وإلى الجذور اللبنانية ل “الإمام”. كما يعرض للرواية التي ترجمها ثم ضاعت. وإلى إنفتاح روحه على الفنون كلها. وإلى حض الإمام على الأفعال قبل الأقوال، وصولا للحديث عن الشيخ محد يعقوب، بإعتباره صرخة البقاع في الجنوب. وعن الصحافي عباس بدر الدين الذي صار الخبر:
” ولد الشيخ “محمد يعقوب” في العام1945، في بلدة “مقنة” البقاعية، في أسرة فقيرة مؤلفة من إثني عشر أخا وأختا. وكان والده موظفا في البلدية.
ويتابع قائلا: ” إنتقلت العائلة إلى “حي السلم” في الضاحية الجنوبية لبيروت. حيث درس في مدرسة العاملية. ونال شهادة البكالوريا- القسم الثاني فرع الرياضيات. ثم درس في الجامعة اللبنانية ونال إجازة في الرياضيات. وكان في الوقت نفسه طالبا في فرع العلوم الطبيعية. حيث نال في السنة التالية إجازة أخرى في العلوم الطبيعية.”
يفرد الكتاب أبحاثه الاخرى لفترة قبل الصدر، فيتحدث عن هزالة المسرح الشيعي التقليدي. وعن خريطة العائلات والمناصب. كما يستجمع الكتاب بعض الحكايات مع السيد الصدر التي تشفي غليل القراء في معرفة الأخبار ذياك الزمان. وهناك حديث مفصل عن الإمامين: الصدر والخميني. وعن مرحلتين هامتين: مرحلة ما قبل الخطف. ومرحلة ما بعده. وعن المغيب الصائم، كما في حديث الصحافي اللبناني “يحي جابر”. وعن المبادرات التي قام بها كل من تحسين الخياط ومحمد حسنين هيكل، وكذلك عبد الجليل، لأجل إستجلاء قضية تغييب الإمام.
وفي خواتيم الكتاب، حديث عن عملية خطف “هنيبعل القذافي”، من خلال الكمين الذي نصب له في دمشق، حتى الجمع للتصريحات عن أحد المقربي من معمر القذافي، أحمد قذاف الدم، وهو يقول فيها: إنه يمتلك معلومات عن إختطاف الإمام الصدر، وهو مستعد لتقديمها في مقابل الإفراج عن هنيبعل القذافي.
ويضم الكتاب إلى ذلك كله: كما مهما من أقول الإمام الصدر. كما يسرد لنا بعض حواراته. وكانت الصلاة لا تفوته، مهما كانت الحوارات هامة فيستأذن محاوره لإقامة الصلاة في موعدها. ثم يعود فيتابع الحوار. حواره دائم مع ربه، بعد حواره مع عبده.
” في الواقع، إن الشيء الذي أريد أن أغتنم هذة الفرصة لأقوله، كتمن على “مجلة الحوادث”، هو أن الجنوب مرت عليه فترة تعرض فيها للتعتيم الإعلامي. ثم تركزا الإعلام عن الجنوب، في الوقت الحاضر، على تصوير معالم المأساة التي يعانيها من التشريد إلى القتل إلى التدمير، إلى نسف البيوت، إلى قصف المدارس، إلى تشر موجة النزوح، إلى محاولة إشاعة اليأس. وهذة كلها وقائع صحيحة، ولكن يجب أن نعترف أن الجنوبي إلى جانب معاناته، أثبت بطولته في الصمود. لأن السياسات الدولية كانت تريظ أن يكون الجنوب هو المدخل للتعايش العربي- الأسرائيلي.”
يختم الكاتبان بالقول:
لقد كان موسى الصدر أول شخصية شيعية، تتصدر مكانة سياسية فعلية ومركزية في العالم، بعد خلافة ” الإمام الحسن”، لأشهر قليلة منذ1400 سنة. فراغ وطأه “الصدر” بقوة عجيبة وعميقة. فكان هذا الرجل بحق، سيد زمانه.”
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
صورة كاتب المقالة د. قصيّ للحسين