مقالة الاثنين في موقع ” ميزان الزمان” الأدبي :
حكاية “الديك وحجاب أبي سمعان”
بقلم: د. بسّام بلاّن
-×-×-×-×-
كنت يافعاً عندما بدأ أهل الحي يتهامسون في جلساتهم عن قصة خلاف أبي سمعان مع أهل زوجته. لم يشأ أحد الخوض بتفاصيل هذا الخلاف بصوت عالٍ.. ولكن الجميع عرف أنهم هددوه بالقتل، حتى لو ذهب لما وراء البحار.
أبو سمعان أُسقط في يده، وكان ينام وعينيه مفتوحتين ومسدسه تحت رأسه رغم أنه وضع على أبواب بيته أثقل الاقفال، وجلب كلباً دربّه على الشراسة المُطلقة مع الأغراب. ومع ذلك بقي الخوف يملأ قلبه وكان يسير في الطريق “مُسربلاً” ويتلفت يميناً ويساراً وللخلف وللأعلى والأسفل.. بصورة تدعو للضحك والشفقة في آن.
أحد أصدقائه، وبعد أن عايش وضعه عن كثب، اقترح عليه أن يكتب له “شيخاً” مضمون ويعرف قدراته جيداً حجاباً، وأقسم له بأغلظ الأيمان أن سوءاً لن يصيبه مهما كان إذا ما وضع الحجاب في جيبه، حتى لو أُطلق النار عليه من رشاش.. وهي وصفة مضمونة ومجربة.
ولأن الغريق يتعلق بقشّة، وافق أبو سمعان على اقتراح صديقه، وذهبا الى الشيخ، ولم يعودا من عنده إلاّ والحجاب بجيبه، بعد أن دفع له مبلغاً محترماً، وأغدق عليه بالدفع.. وما أن أسلم للنوم ليلاً، حتى انتفض من فراشه كالملسوع؛ فبلحظة خطر بباله أن “الشيخ” ربما ضحك عليه واستغل وضعه، وأن ما بجيبه لن يحميه من رصاصة تستهدفه كما هدد خصومه. فقرر تجريب الوصفة بنفسه. وما أن انتصب الصبح على ساقيه، حتى خرج الى حديقة منزله وراح يطارد الديك الذي يربيه عريساً لدجاجاته، فالتقطه بعد جهد جهيد، ووضع الحجاب في عنقه وأطلق النار عليه من بندقية الصيد، فتناثرت أشلاء الديك وتطاير ريشه في كل مكان، فلم يحمه الحجاب من غدر الغادرين.
جُنّ جنون الرجل وتيقن بأنه تعرّض لعملية نصب وخداع كبيرتين، كادتا أن تقوداه الى التهلكة..
فحمل الحجاب وما تبقى من الديك ووضع مسدسه على خصره، وذهب للشيخ للاقتصاص منه.
استقبله الشيخ بابتسامة وهدوء، بينما كان هو يصرخ بأعلى صوته ويرعد ويزبد ويكيل له الشتائم.
الشيخ ظل صامتاً يبتسم بوجه أبي سمعان.. ابتسامة تحمل الكثير من الخبث والاستهزاء به. وعندما هدأ روعه قال له: “يا أخي أبا سمعان من الطبيعي ألاّ يحمي الحجاب الديك.. ولا أي واحد غيرك.. فهو مكتوب لك أنت بالذات، وإن أردت أن تجرّب قوته وفعاليته، أعطني مسدسك وسأطلق عليك النار بيدي.. وسترى بأم عينيك النتيجة!!
أمام هذه “المحاججة” الخبيثة لم يستطع الرجل الرد. بينما كان الشيخ يصر عليه ويتحداه بأن يقف ويطلق النار عليه ويتعهد له بأن مكروهاً لن يصيبه.
لم يستطع أبو سمعان أن ينطق بحرف واحد. وكل ما استطاعه هو أن حمل حجابه، ووضع وجهه بالأرض وغادر منكسراً خاسراً نقوده والأمان “الوهم” الذي وعد نفسه به بسبب حجاب الشيخ.
أبو سمعان هذا، حاله تشبه حال الملايين من أبناء بلداننا المنهكة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، بعدما ظنوا لسنين أن الخطابات الرنانة التي سمعوها من مسؤوليهم كفيلة بأن تكون “حجاباً” وضامناً لهم في حياتهم وكفيلة ببناء حياة لائقة لأبناهم، وعند أول اختبار حقيقي سقط الوهم وتناثر كالزجاج المطحون، وزاد من عذابهم ووجعهم أن حججهم المنطقية وصوتهم الهادر غير قادر على استعادة حقوقهم من المشعوذين المتمرسين في إفراغ الجيوب وسرقة الأحلام و إخراج الكوابيس من القبعة كالساحر الذي يُخرج منها الأرنب.
أيها السادة، المشعوذ الذي ائتمنتموه على ارواحكم لا هم له ولا مطلب إلاّ أن يملأ جيوبه من أكياس أوهامكم وثقتكم العمياء به.. ولا شيء ينتظركم منه سوى الخروج من الدنيا بريش منتوف.
و”هيدا كان كل شي”.. بااااي..
د. بسّام بلّان