قبل أن ترحل والفنجان المقلوب ..شهادتان من الوعي الصامت لآمنة ناصر
بقلم الناقد : أنطوان يزبك
في قلب المرأة عالم كبير صاخب ، وفي صدرها المكلوم بألف ألف تجربة و تجربة ؛ تعيش قوانين الدنيا بأسرها ،والمرأة تدرك من خلال تكوينها متى تقرّب العاطفة ومتى تحتبسها ولمن ، وكيفية تحدبد الصورة والإطار الذي يطوّق العلاقة حتى لو كان طوق زاهر من ياسمين ونرجس وغاردينيا . ومن ذلك القدر الذي يضع قوانينه الصارمة لكل شئ، هل يبقى ثمّة عدل أو عدالة ؟
في الموروثات عن الحب نجد الرجل يحتل الصورة برمّتها ولكن المرأة تحدد مسار السفينة ممسكة بالدفّة كذلك تحدّد المرأة الصيرورة التي ستؤول إليها العلاقة بين من تحب والذي سوف يتحوّل لاحقا إلى عدو ومصدر لكلّ مصيبة وسقوط كوارثي ، ولو بدا كلامي هذا غير مقبول على قاعدة الاستنتاج واستحالة التكهّن أو الضرب بالغيب ،ولكن صدقّوني المرأة تقرأ في الفنجان ( تشبها بالقصيدة الفنجان المقلوب) فنجان الأيام القادمة الماضية ، الحلوة والمرّة ، تتحول المرأة الى قارئة الطالع ، كما الفلّاح الذي يقرأ في حركة الغيوم و يعرف المطر القادم ويتهيّب مستعدا للغيث والخير المرتجى .
يقول باولو كويلهو : أشد أنواع الحب قوة هو الحب الذي يظهر هشاشته… هل هذه هي حقيقة الحب ام أن الحبّ أمر آخر مختلف تماما والهشاشة قتلت الحب وآمنة تشهد على ذلك ؟ ! …
هكذا آمنة تتماهى في دورة العلاقات مع تداعيات العواطف، تخرج الى الضوء، في قصائد محمّلة بكلّ ما هو أنثوي وكلّ ما هو عاطفي وكل ما هو تحدّ للذات والآخر ويتجلّى ذلك في قصيدتين :
” الفنجان المقلوب” و” قبل أن ترحل” ، حيث يظهر عمق العلاقة بين المرأة والرجل على طرفي نقيض، وحيث تقول آمنة كل ما تريد قوله بشجاعة غير مسبوقة .
كنت أقرأ قولا لشكسبير يقول فيه :
لا تكسر أبدا كل الجسور مع من تحب ، فربما شاءت الأقدار لكما يوما لقاء آخر يعيد ما مضى ويوصل ما انقطع فإذا كان العمر الجميل قد رحل ، فمن يدري فربما ينتظرك عمر اجمل …
لفتتني هذه المقولة وهي تجري على لسان أحد أبطال واحدة من مسرحياته العاطفية ، وحيث يواجه الأبطال انسداد الحظوظ ومعاكسة الأقدار .
كما تطرح التساؤل أيضا مع ما تقرأه من حديّة المشاعر في حنايا القصائد ، ويتبيّن لي بعد طول تفكير أن آمنة حين تكتب فهي أيضا تتماهى مع مشاعر نساء كثيرات يشبهن مرايا تعكس حقيقة ذاتها الجوّانية ..
تكتب آمنة من خبراتها و لا تتوسّل استمرار الحالة المولّدة للمشاعر ، في تركيبة الذات الداخليّة ، بل تراقب سريرتها وتعبّر عنّها شعرا صادقا في لحظة خلق الكلمة الأولى …
ما يقوله شكسبير هو عينه ما يرتجيه كل إنسان ولكن نتذكّر أن شكسبيرا ، قد كتب أيضا مسرحية روميو و جولييت ، ولا تحصى الكلمات والمواقف وحتى الخيالات الجامحة ، التي قد تضرر منها عاشقون وعاشقات كثر وبقي الجرح نازفا وألمه في ازدياد ….
آمنة في القصيدتين ، تظهر ما تفكر وتشعر به على ضفتيّ نقيض، تظهر الشغف إلى جانب الرحيل ، التمرّد إلى جانب الخضوع الأمل إلى جانب اليأس ، المحافظة على الذات بكل ما لديها من قوّة وعزم على الاستمرار وتقديم الذات إلى الآخر المستحق أم لا يستحق ولا حتى التفاتة ، مهما كانت المخاطر دانية والتحديّات كبيرة. ..
هل المرأة في عاطفتها غير الرجل في عاطفته، هل نجرؤ على تحويل مسار العلاقات لمجرد وجود الاختلاف ؟
صدقا ليس الهدف من كتابة القصيدة هو تحقيق اكتشاف مذهل في سيكولوجية الحبّ، بقدر ما هو اعتراف بحقيقة ما تشعر به آمنة وكلّ سيدة أخرى تعيش في مثل ظروفها أو حتى رجل ناضج يقرأ ويفهم وجع الآخرين ، و يتفاعل مع ما يقع صريعا على ثنايا قلبه ومشاعره …
الشاعرة آمنة ناصر
آمنة تنظر إلى الحياة من خلال الحب والشعر وترفض الخيانة ، وتخشى الفراق وتداعيات الألم وكلّ ما يرتبط بمأساة الانسداد الروحي – النفسي في علاقات الحب الكوارثيّة، الملتهبة ، كلمات مؤلمة خاصة وحميمة تطلقها – قبل الرحيل- وفي ذلك جرعة كبيرة من الشجن والخوف والقهر والانكسار ، هي علاقة الحب ربما بالكرامة . ونظرة الإنسان إلى نفسه ، وربما هي حاجة الحبّ إلى تسجيل موقف لكيما يثبت ذاته لذاته أولا ، ومن ثمّ للآخر في مرحلة أولى وبعدها للآخرين الناظرين المشاهدين في مسرح الحياة والعلاقات بين الرجال والنساء.
هي تلك العلاقة المستحيلة التي تشكل نواة نابضة لهذه المسرحية – مسرحية الأفول والذبول – الأكثر تسويقا وتشويقا لدى الناس الشامتين العوازل ، ودراما التأزّمات الأكثر مشاهدة ، وعليها طلب كبير هذه الأيام لأن الكل يعانون بالطريقة عينها ..
يقول جبران خليل جبران : الحياة بدون حب مثل أشجار بلا أزهار أو فاكهة …
ولكن للحبّ بساتين أخرى ليست كلها ثمار وفاكهة عذبة ولذيذة الطعم بل أشواك وفاكهة جميلة الشكل مريرة الطعم على الرغم من اللون الخارجي والزينة والزخارف.
…وهاكم القصائد :
القصيدة الأولى :
قبل أن ترحل
لا تطرق باب قلبي
لاني أخشى عليه التصدع
من انقباضه تحت لمسة يديك..
أخشى أن يتردد
صوت الفراق
في أذني
فتهتز دموع
مازالت متدلية
كعناقيد العنب
في دالية الحنين
لا تكثر الطرق على جداره
كي لا تتعرق يداك
وتتحول إلى مادة أسيدية
فيحترق الخشب بي من ولوع
لا تقترب اكثر
أخشى أن يكون
عل يديك
موتي المبكر.
القصيدة الثانية :
الفنجان المقلوب
أشتهيك بنكهة القهوة
في صباح
أكون فيه صائمة…
يقتلني ضجيج قلبي
حيث ينبض حبك دائما
وأنا كأم تفرح بنبض جنينها الأول
الذي يوقظها وهي نائمة…
يبهرني الضوء في عينيك
حيث تغرر بي الدرب
بالدفء والنور
حيث كوكبة من الفراشات حائمة….
وحلمي .، حلم ( الجميلة )
التي تنمو ..وتتجمل..
لتظلل نافذتك
او تشاركك قهوتك المرة
ثم أقرأ فنجانك المقلوب
لأكتشف لغز قلبك
من بعض الإشارات التافهة
وانا لست بالتبصير عالمة.
فأحلل كل إشارة
وازيلها بأسمي
واترجمها بانها خاصتي
فارى في المفتاح
بارقة أمل….
وفي الساعة
الموعد الذي لم يحصل ….
وفي الشجرة
المكان الذي إليه لم تصل ….
وفي القلب
حبك الأول ..إلى الأزل ……
وفي الطير
خبرا سعيدا الذي فيه لم نبتهل..
لكن اقنع نفسي
بأنك لي
في بعضك
وفي كلك..
في حضورك
وفي غيابك
وان إعترافك
هو رهن إشارة من قلبي
وليس رهن إشارات فنجانك المقلوب
فربما تحبني بجنون
وربما اني بكل هذا
قد اكون مجرد حالمة….
او ربما واهمة…..
الكاتب والناقد أنطوان يزبك