قرأ رئيس منتدى ” لقاء ” الدكتور عماد يونس فغالي في قصيدة ” الليل ” للشاعرة الدكتورة ربى سابا حبيب .
هنا نص القصيدة , تليها القراءة النقدية والتقيمية للدكتور فغالي :
الليل
د. ربى سابا حبيب
الليل شاعر يخرج الى الناس
شاهرا معناه
متحديا السماء ورعونة القوافي
دمع الليل ابيض ابيض
الليل طفل يفتش عن امه في فضاء ماجن
الليل ذءب واسع الحدقتين
يسطو على وهم الاحلام الوردية ودفء الحفافي
الليل ليلان..واحد لجسدي الملتهب
واخر لأفكار نحوك عصية عن الكتمان
ليل البوح كبير في عمق الحكاية
يحمل اسرار البعاد في فضاءات قومي
الليل جزيرة لنا
الليل سيدي في كتم اسرار لن تعود
يتسلل كسهل ينتظر الفيء في وضح النهار
كدعوات الامهات المودعة في الرساىءل
ايها الليل كم توجتك امير البوح على اجساد العاشقين
الليل ام الافكار
واب لرجال في بلادي لا يعرفون سوى الفرار
الليل عراء الفضيلة
وخلاص للبغاء من الدوار
الليل شريكي في الفجيعة
واخي في السؤال وسط المدار
الليل انت شاعري
تسبر خفايا المعنى في ذواتنا
التي تظل في دورانها دون قرار
الليل فؤاد يهب دون سؤال
الليل يتهادى على خاصرة الحبيب
ويمحو هذا المحال
الليل مفتاح اخبيءه في مهجتي كي لا يضيع
الليل رجل يهز عالمي
كي اطلق حنجرتي الملاى
باشعار ولهيب
الليل حجر ثقيل
في واد عميق
ان لم تات
الليل يشبهني
طفلة مراهقة على انتظار ولا تطيق
الليل بحر اغرق في عبابه
حين لا يهدا نداء اهلؤ
وصراخ شعبي العتيق
الليل غزالات شاردة تسرح
في غابات ولا مضيق
الليل جسدي حين يقرع اجراسه
وانا المسافر الابدي
وانت على الضفاف الوادعة
ترنو ولا طريق
الليل انا بحر
ينبعث من ذاته
من مداره من امواجك
يردد لحنك او لازمة
الدهر السحيق
الليل ليلك حين تهديني
عباءة خدر
كي منك وبك
لا ولن استفيق
*** وهنا قراءة الدكتور فغالي للقصيدة :
الليل في يراعِكِ!
د. ربى، هذه الشاعرة منذ الحداثة، سيّدة في تقطيع المعانيات، كم داخلها العمقُ في تلمّس كنوزه… فغارت في ثناياها تضيء العتمات… وما تلكَ إلاّ في الزمن الليلُ… هاتِ يا ليلُ نسهرُ فتحدّثني بما فيكَ، وتهديني إلى درّكَ الدفين… أنا العاشقةُ الجمال، جُبلتُ منه لؤلؤةَ الشمال!
الليلُ… يا ليلُ
في البدء دعاء، وعلى امتداد الليل، قصيدةً، دعاء. والدعاء قصيدةٌ على امتداد الليل، لا فترةً، لكن امتدادُ تجسّدٍ، استعارةَ إنسانٍ من فيض شاعر: “الليل شاعرٌ يخرجُ إلى الناس”، يقرأ فيهم غيرَ مألوفهم… ما لم يكتبوه في يومهم ومعيوشهم…
“والليلُ طفلٌ”، بريءٌ لم تلوّثه عُلبُ المجون التي تلوّنت بها أمّه… إليه تفيء وضوحاتٌ بيضاء في صفاء عوداتٍ صادقة…
الليلُ بوحُ صديقٍ صريح اللسان، بوحُ أخٍ خالصِ الحبّ يضنّ بصالح أخيه.
تقول “الليلُ لأفكارٍ عصيّة على الكتمان”. كم صفا لها الليلُ وأرجع لها ما كتمته الدنيا في ضوضائها… أفكارٌ تعمّدت الاختفاء في خبايا وهميّة، أضأتَها يا ليلُ فانكشفتْ بضّةً كأنت… لم تعصَ عليكَ أخرجتَها، فتقدّمت حانيةً عريَها أمامَ طُهركَ، تغمرها بحنانكَ منصفًا ظهورَها دون بهتان…
وتدعوكَ الشاعرة “سيّدي”، لتكلَ إليكَ يا ليلُ معادلةً معاكسة “كتمُ أسرارٍ لن تعود”… هكذا تأتيكَ مرتميةً في خفاء قلبكَ الحبيب، مودعةً فيه ذاتَها الحميم، فتهديها الأمان… مطمئنّةً إلى “ليل البوح كبير في عمق الحكاية يحمل اسرار البعاد”.
ولا يمرّ ليلٌ من دون عناق العاشقين، فكيف مع شاعرةٍ تحملُ جمالَ د. ربى. عناقٌ عبر الوجدِ، عبر الأثير. عناقُ القلبين عبرَ الفكر والكلام، عبرَ الجسد… الليل مرتع العاشقين الكبير، تاجُه البوحُ صولجانه اللقاء… أميرتُه شاعرةٌ تتلذّذ من عرشها كلّ حلاوة…
أنتَ يا ليلُ كم تحملُ عطاءاتٍ… نظَرتُكَ أمًّا، في أحشائها تلدُ للعظائم، وأبًا في انكساراته، يُنبتُ الرجال…
أمَا في مداركَ تتجلّى الفضيلةُ عاريةً على مدى الأفق، فتنقى سامياتُ النفوس وتنأى صغائرُها عن مرأى النظر؟
يا ليلي، يا حبيبي، أنتَ شاعري، تنظمني على أوتار قريحتكَ الملهمة من علُ، من كاملِ هدايةٍ تبسطُ حقيقةً على يقين نفْسٍ أمام حالها، مرآةَ صدقٍ لا تدخلُ مدارَها إلاّ “عاريةَ الفضيلة”…
وبعد…
كأنّما الليلُ صديقتي الشاعرة ربى سابا حبيب، ينقلُ شخصكِ الواقف على باب المنظمومة النصيّة، يهتف قارعًا، أنا انعكاسُ روحكِ الشفيف… انظريني بعينكِ الصافية، ترَيْ حالكِ فيضَ جمال، انظريني، تطفحْ على وجهِ قارئكِ بارقاتُ عمقٍ يموجُ داخلكِ ثمينَ درٍّ إنسان…
يا سيّدة، طوباه ليلٌ مرّ في يراعكِ، فاقتبلَ بدرُه اكتمالا… ارتقى ببنتِ الأبجدِ إلى مهد بناتِ أفكارٍ غمرَته بلفائف الحنين ولوعاتِ العشق الإلهيّ، تجرّدَ جسدٍ من التصاقاتِ ههنا، ينضحُ بإلهاماتٍ نبويّة تفيضُ حياة…!!!
جميل جدا كلام الشاعرة د..ربى سابا ! حبيب ! اكتشفته هذا الصباح في منزلي في الولايات المتحدة الامركية ، نافذة من وطني لبنان انفتحت على غفلة ونقلتني الي هناك يا لحظي !!!