مقالة الاثنين في ” ميزان الزمان ” الأدبي :
” صوتنا وصوتهم “
بقلم الكاتب د. بسّام بلّان
-×’×-×-×-×-
الصوت بصمة أخرى من بصمات الإنسان؛ تضاف الى بصمة أصابعه ويديه وعينيه وشعره. وهو أيضا صورته الكاملة إذا ما توارى خلف حاجز طبيعي أو فيزيائي بإرادته أو بغير إرادته. وهو التعبير عن الارادة والحرية الكاملتين في الكرنفالات الانتخابية.. وفوق كل ذلك هو المعنى الكليّ لأعظم القيم في حياة الناس؛ “صوت الحق، صوت العدالة…”.
وفي اللغة، يُعرّف الصوت بأنه كل ما تلتقطه الأذن من التموجات الخارجة من فم إنسان أو حيوان أو من وقع شيء على شيء آخر. وتبلغ سرعته في الهواء 340 متراً في الثانية، وفي الماء 1425 متراً……
………..
ما من علم إلاّ وأدلى بدلوه في الصوت، سواء أكانت العلوم الانسانية أو الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات… الخ. ومنها:
•علم الصوت: هو الأثر السَّمعيّ الذي تحدثه تموُّجات ناشئة من اهتزاز جسم ما، ذبذبات تنتقل في وسط مرن أو سائل أو صلب أو غازيّ بترددات من 20 إلى 20 ألف هيرتز تقريباً، بحيث يمكن للأذن البشريّة سماعها تموّجات/ أمواج صوتيّة؛ اي دراسة الصوت من حيث حدوثه وانتقاله وانعكاسه وانكساره وتداخله وقياسه. (الطبيعة والفيزياء).
•سرعة الصوت: هي وحدة زمنية تعنى بقياس السرعة.
•حاجز الصوت: مقاومة الهواء المتزايد التي تلاقيها طائرة تقترب من سرعتها من سرعة الصوت.
•مجهر الصوت: أداة تحوّل موجات الصوت الى تيار كهربائي يمر عبر مكبّر للصوت أو مسجل.
•في النحو والصرف: الصوت هو كل لفظ حُكي به لزجرٍ أو تعجبٍ أو تحسّرٍ أو توجعٍ.
•في العلوم اللغوية: ادغام الصوت هو تحويل صوتين في مقطعين الى صوت واحد طويل بالتسهيل أو الادغام، أو دراسة الأصوات من حيث مخارجها وصفاتها وكيفية صدورها.
…..
أنواع الصوت كثيرة؛ فهناك الصوت الاحتكاكي، والانفجاري، والبهيم والشفهي، والشفهي السنّي والشفوي، والشفوي السني والليّن والمبحوح والمجهور، والمزدوج. ولكل واحد من هذه الأصوات تعريفه وسماته الخاصة به…..
…………
تؤكد الدراسات والأبحاث، وبشهادة كل الأمم، أن العرب كانوا سباقين في البحث المنظم في استكناه الصوت اللغوي، وأسهموا إسهاماً حقيقياً في إرساء ركائزه الأولى، ما أتاح لهم فرصة الاستقرار المبكر لحقيقة الأصوات اللغوية، وسهّل عليهم خوض الموضوع بكل تفاصيله المضنية، وترويض جماح تعقيداته المتشعبة. حيث اتسموا بدقة الملاحظة، وسلامة الحس الفطري في تذوق الأصوات؛ فقسموا الحروف إلى طائفتين: الأصوات الصائته والأصوات الصامته.
يقول (كاردنرـ W. H.T. cairdene): “لقد سبق العلماء العرب الأصواتيين المحدثين في تصنيف الأصوات، حيث أشاروا إلى الأصوات الاسنانية والحنكية واللهوية واللثوية من الصوامت، وقدموا ملاحظاتهم المضبوطة عن المواقع الدقيقة للّسان والحنك متمثلة بأصوات متعددة. وسلّموا بصحة إدراجها تحت فصيلتين؛ هما المجهورة والمهموسة. وللعرب معرفة كبيرة بالتقسيم الثاني الأساسي للأصوات الصحيحة، فقد سمّوا الأول حروف الشدة، ويقصدون به الأصوات الصحيحة المشددة أو المتوترة. أما القسم الثاني فيسمونه حروف الرخاوة، ويقصدون به الأصوات المرتخية “.
وبناء على ذلك، يُوصف العرب بأنهم ظاهرة صوتية، واختصاصهم الصراخ غير البنّاء. فالعربي يصرخ كالديك، ويتابع سيره مختالاً دون أن يفعل شيئاً آخر، على الرغم من أن تجربته المريرة مع الصراخ، الذي لم تثبّت أو تسترجع له حقّاً في يوم من الأيام. ملأوا فضاءات الدنيا صراخاً؛ صراخاً عبر المآذن والمنابر والاجتماعات. وما أن ينفض الحفل يغطون في نوم عميق.
وهم أيضاً أمّة الصوت “المهموس”. بعد أن زرعت الأنظمة الاستبدادية وأجهزتها الأمنية الخوف في قلوبهم.
العرب أمّة هامسة بصوت الحق والعدالة. وأمة “مجهورة” بما يُملى عليها. وأمة “صارخة”، حيث لاينفع إلاّ العمل والعمل فقط. وتكفي نظرة “بانورامية” واحدة على حياتهم وانجازاتهم وما قدموه للبشرية خلال الخمسمئة سنة الماضية، للتدليل على صحة هذا الكلام.
أما صوتهم الإنتخابي.. فقد تنازلوا عنه منذ أزمان، لمن يدفع لهم أكثر أو لمن يُخيفهم أكثر.
وبالنسبة إليهم ما يعنيهم من صوتهم هو أن يكون صالحاً للغناء وحسب، كي يدر عليهم نجومية ومالاً. فـ “مريام كلينك” العربية- الفينيقية، و”سارية السواس” السورية على سبيل المثال أهم من أحمد زويل وفاروق الباز ونجيب محفوظ، أن شئتم، عند الكثرة الكاثرة منهم.
عند العرب، الاحتفاء بقدوم ديكتاتور عرس. والإنتخابات المعروفة نتائجها سلفاً عرس. واجتماعات البرلمانات ومجالس الشعب عرس. والعرس يحتاج لصوت “مجهور” وصراخ حاد.
……..
الحب عند العرب عيب وحرام في العلن؛ لذلك يتحولون في حضرته الى “أمة هامسة”.
وأخيراً؛ الصوت وسيلة من وسائل معرفة الحالة الصحية للشخص، ومن خلاله يمكن تمييز الأعراض والمشاكل الصحية التي يعاني منها أو يمكن أن يتعرض لها، فلا بأس من تشخيص حالتنا بين ثلاثية “المهموس والمجهور والصراخ”، والأماكن والأزمان التي نستخدم كل واحدة فيها.
د. بسّام بلّان
مقاله جميلة وقيمه ودقيقة التوصيف وممتعه في سرد الموضوع المطروق
اجدت اخي بسام الف تحيه لك