لونا قصير في روايتها “أخطاء وخطايا”
عندما تكتب للوطن والإنسان
إن علاقة الأدب بالمجتمع علاقة جدلية تفرضها مقومات النشأة والتطور داخل هذا الوسط، وقد فرضت الظروف والمتغيرات والتحولات المجتمعية ظهور نوع جديد من الالتزام المحدَد بالأوضاع الاجتماعية والسياسية، والمقصود هنا بالالتزام انصهار الأديب فى مجتمعه وانشغاله بقضاياه التى تُعد جزءًا من يومياته الطبيعية.
لكن ليس معنى هذا أن يكون الأدب، سواء أكان شعرًا أم نثرًا، صورة فوتوغرافية ومرآة مسطَحة عاكِسة لهذا الواقع، وإنما وجب أن يتسلَح بفنون الجماليات والرؤى الفنية التى تحيل الواقع الحقيقي إلى واقع لغوى فنى جميل يحمل رسالة إنسانية عامة.
فالأديب يعيش دومًا فى حركية وصراع بين الواقع الكائن من جهة، والواقع المُمكن من جهة أخرى، وهذا الصراع هو فى حقيقته نتيجة حتمية لعدم رضاه وقناعته بما هو عليه حال مجتمعه، سواء على المستوى السياسى أم الاجتماعى أم الثقافى، فتراه دومًا فى حالة من التوتر الفكرى باحثًا عن انسجام بين الحقيقة والواقع بطرح أسئلة الذات والوجود وأسئلة التحول والمستقبل. إنه يعيش وعيًا شقيًا كما قال سارتر «لأنه يكتب فى مجتمع تسوده الفوارق من كل نوع وتنتصب داخله العراقيل أمام ممارسة الناس لحرياتهم». وهذا ما فعلته أديبتنا فخاتمة الرواية جاءت محملة بأسئلة وجودية، لا نفتأ نطرحها على ذواتنا عند كل محطة نعبرها.
وبالتالى يصبح دَور العمل الأدبى دَورًا متميزًا داخل المجتمع وفي وعي الأفراد به باعتباره وسيلة من وسائل بث الوعى الفكري والجمالي برسالته الأدبية والجمالية. هكذا هي لونا قصير في روايتها الجديدة “أخطاء وخطايا” تصور لنا المجتمع اللبناني والأزمة التي يعيشها الوطن ويصطلي بنارها المواطن والإنسان اللبناني، فمن تكتب عنهم ولهم لونا قصير هم نحن وأقاربنا وجيراننا وأصدقاؤنا، ولا شك بأننا نعرف أشخاص روايتها لأننا عايشنا ما عاشوه، وفعلنا ما فعلوه، هكذا تتخطى لونا أسوار الذات الفردية لتلج بنا في أدبها إلى عالم الذات الجمعية، تمتلك لونا عينًا باصرة هي عين الأديب الحقيقي الذي يرى ويصور ما يجري في مجتمعه ويسكبه على الورق رسالة توعية ومحبة في آن، فنحن ندرك من خلال أدبها الواقع ونتعاطف مع معاناة أبطال الرواية، أليست هذه هي وظيفة الأدب الأولى والوحيدة، أن يُعرِّف الناس بمشكلات مجتمعهم، وأن يثير فيهم روح التعاطف والتآخي والتآزر؟
إلى جانب هذه القضايا الفكرية في أدب لونا قصير، فأديبتنا تمتلك ريشة رسام مبدع تلون الكلمات وتزين العبارات فتعبُّ من أدبها الجميل ولا تشبع من الحلاوة والطلاوة، لا أخفي عليكم لقد قرأت الرواية كاملة في أقل من ساعتين!
إلى ذلك فلونا قصير مسكونة بحب لبنان وطنًا وناسًا، لذلك فاح في روايتها عبير الحب، فهي تذكر ويلات الوطن ويحزنها ما يصيبه، كوابيس بطلتها جوانا رسائل في الشعور بمعاناة الناس، تذكر طرابلس المدينة التي تحب وتعشق بكثير من الوجدانية والوفاء، ولا يفوتها أن تتحدث عن أهلها الطيبين، ربما في عالم الأدب كما في الحياة الواقعية تنجذب المتابشهات، فهل كانت “لونا – جوانا” لتحب طيبة الطرابلسيين لولا أنها تختزن في ذاتها الطِّيبة نفسها؟
لونا قصير أديبة حقيقية في زمن تشوه فيه الأدب، تؤدي رسالتها الفنية والأدبية متحدية قبح الواقع وسوء الأوضاع في لبنان، لتبشرنا في نهاية الرواية بالأمل والتفاؤل، وما النهاية السعيدة لأبطال الرواية سوى بشارة بنهاية سعيدة لكل مآسي لبنان.
هكذا تصبح رسالة لونا قصير رسالة أمل وحلم سيتحقق بعودة لبنان وعودة ناسه إليه، فلا أجمل من لبنان وطنًا، ولا أفضل منه شعبًا وناسًا.
عماد بسام غنوم
طرابلس في 24 تموز 2023
الروائية لونا قصير