“قال ضوع الياسمين” تجسيد أخضر لروح شاعرية متسامية
قراءة بقلم الكاتبة و الشاعرة ميشلين مبارك :
-×-×-×-
ربّ قائلٍ بأنّ إسناد الفعل “قال” لدليلٌ على تأكيد الشعرّ في ديوان “قال ضوع الياسمين” للشاعر الدكتور محمد توفيق أبو علي. ونحن نضيف بأنّه تمسك الشاعر بالبقاء على قيد الحبّ مهما اشتدّت الأحزان. متسامحاً في الحياة مهما تعرّض للأحقاد، محافظاً على ذكرى وحنين على الرغم من ليالي الظالمين.
نعم إنّ الديوان الجديد “قال ضوع الياسمين” (2023) الصادر ضمن منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحاده الثقافي، يؤكد جهاراً على التسامح والحبّ. ولضوع الياسمين عند أبي علي، دلالات متعددة من النقاء والطيب إلى جذور سلام ومحبة..
الشاعر د. محمد توفيق أبو علي خلال توقيع كتابه في ادارة الجامعة اللبنانية ( تصوير يوسف رقة )
هو العطر الفوّاح , رجاء في عتمة الليالي، هو البخور المتسامي في معبد الحبّ حاملاً الأحلام والأماني. هو الطيب الذي فاح في روح الشاعر بلال شراره فأحياه من جديد عندما نادى الكاتب صديقه بالقول:
“يا بلال
يا صديقي
ايّها الودُّ المصفّى
بعدك اهتاج هجير للرّمال
قد كوت رمضاؤه القدس، فراحت تبتغي ظلاًّ يقيها شرّ حَرٍّ
وانزوت في القيظ واحات
ذوت فيها الظّلال
بعدك الليلُ تمطّى
وغفا فجرٌ نأى عنه أذان، كنت تشدوه فيصحو
ثم يحدو لأمان
يمّمت شطرَ فلسطين وشدّت نحوها كلّ الرّحال….”
هي قصائد معمّدة بالحبّ، بالنور ما بعد الظلمة، واعدة القارئ باليوم المجيد ، باليقين ما بعد التيه. وفي هيكل الشّعر تحية إلى روح الشاعر محمد علي شمس الدين، وقصائد تغريبة الوالهين. ولغزّة في القلب حنين، وخشوع شاعر أمام وجع المتألمين وشهادة شيرين أبو عاقلة…كلّها قصائد تعانق الحلّم في ذاكرة الناس أو في ذكرى الأمكنة عندما تواعد البياض. عندها يترقرق الدمع في مقلّ الحروف فنشاهد بيروت توقظ سبات الحزانى.
غلاف ديوان الشاعر د. محمد توفيق أبو علي
ونسمع الشاعر يخاطب الذات كأنه يخاطب كلّ منّا في “الأحبة الذين خطفهم الموت” , حيث يقول :
“ما للأحبة كأس الهجر قد شربوا
فأشربوني الأسى يبكي وينتحب
كأنّما الدمع أمسى حبر فاجعة
تعنو لأوجاعها الأقلام والكتب
قلبي من الفقد أضحى مثل قافية
مختلةٍ أو كنايٍ خانه القصبُ
هم يرحلون وفي الأجفان صورتهم
نارُ الهشيم حدا في جوفها اللّهب
يا قلبُ بلّغ جفوني أنّني كلفٌ
بصورةٍ في لظاها نبضك الحطبُ”.
.. ويحتوي الديوان أيضا على قصائد تنبض بأحوال القلب وتناجي الحبّ ليروي ظمأ الغليل. ونصوص مزينة بصوفية عالية تكشف عن روح شاعرية نورانية نقيّة، فنقتطع من الصفحة 46 على سبيل المثال:
“ناجيتُ وجهك واللّهاث يَميدُ بي , أنْ لستُ في ولَهِ الصّبابة نادما وأنا الغريق …سفينتي تهتزّ مثل رسالةٍ سريّة مكتوبةٍ، قد خبأتها كفُّ عاشقةٍ تخافُ الوأد، تخشى ظلمة القبر الذي هيأته قبيلةٌ (…) مولاي هذا خافقي فاقبله في بهو المرايا خادما”.
ونجد نصوصاً كثيرة يأنسن الشاعر فيها الأشياء “قال الكلام”، “قال الحرف” حدثتني غيمة، حدّثني ذاك المكان… مما لا شك فيه بأنّها تقنية فنيّة لجأ إليها أستاذ العلم والنحو لما تمثله من تجسيد لإبداعه الفكري فيحمّل الأدب رسالة ناطقة تضفي في مضمونها حياةً تماما كما في غلاف الكتاب الأخضر الزاهر بربيع الياسمين.
بالإضافة إلى الشّعر، يحتوي الكتاب على حكايات وخواطر وومضات فيها الكثير من العبر وشهقات الروح وإنسيابية الأسلوب وعمق المعنى. ومنها نقطف هذه الياسمينة الشفافة:
” تصبحُ العين يداً ترسم أجمل الأحلام، حين ينبض في بؤبؤها قلبٌ، يجعل النّظرة هيكلاً للحُبّ”.
الشاعرة والكاتبة ميشلين مبارك.