“الضحك على الذقون”
بقلم د. بسـّــام بـــلاّن
-×-×-×-
.. نتائج الأبحاث التي توصّل إليها علماء الأحياء، تؤكد أنّ الضحك سلوك لا يقتصر على الانسان وحده، بل هو منتشر بين فئات وفصائل أخرى من الحيوانات؛ كالفئران والقرود والكلاب. وهم ؛ أي علماء الأحياء والباحثون، يتحققون اليوم مما إذا كان الضحك سلوكاً منتشراً بين الذباب والديدان والخنافس والقمل والصئبان والصراصير كذلك.
شخصياً لست مؤهلاً للخوض والجدال في مدى أهمية هذه الأبحاث من عدمه؛ فلّله في خلقه شؤون ومن حق العلماء والباحثين الخوض في المجال الذي يريدون، حتى ولو كان اختراع المفرقعات والقنابل ووسائط التدمير على اختلافها، التي ستأتي عليهم وعلى بني جلدتهم في بقاع الأرض كافة في يوم من الأيام(!).. فما داموا قد وصلوا الى كل ما من شأنه إسعاد البشرية والارتقاء بها وتأمين رفاهيتها، وتضيّيق مساحات مشكلاتها، فلا بأس من التعَّرف الى سلوكات الحيوانات والحشرات وإنفاق الميزانيات الضخمة على مثل هذه الأبحاث، فربما تسهم في يوم من الأيام بتغيير وجه التاريخ، فمن يدري؟!.
ولكن عندي اقتراح أود التقدم به بكل تواضع الى السادة العلماء، وهو الخوض أكثر في التخصصات الدقيقة؛ فمثلما يوجد اليوم أطباء متخصصون في جراحة القلب وآخرون في جراحة الأوعية وفئة ثالثة في جراحة قلب الأطفال.. الخ، يجب أن يكون هناك علماء متخصصون في التفاصيل الصغيرة جدا في مجال علم وسلوكيات الأحياء كافة، خصوصا الضحك منها.
لا شك في أنّ الضحك سلوك جميل بل وجميل جداً، وفي مقدور الضحكة أن تفتح آفاقا فسيحة أمام صاحبها.. وليس بجديد القول ان الضحك يقرّب المسافات بين النفوس ويزيل الحواجز بين القلوب.. وربما يتشارك الانسان مع الحيوان في ذلك. ولكن هناك أنواعا للضحك، تماما مثلما هناك أنواع للكذب.. ولا أعتقد أنّ الانسان والحيوان يتشاركان في ذلك.
ولعل أكثر ما طوّر الانسان من أنواع الضحك وتفوّق به على شركائه في الحياة والطبيعة، هو الضحك على الذقون(!).. نعم انه صناعة بشرية خالصة، خصوصا أنّ بني البشر كلهم يمتلكون ذقوناً، في حين لا يمتلك معظم الحيوانات هذه الذقون؛ باستثناء التيوس…
الضحك على الذقون حالة آدمية خالصة، لا تشبه مكر الثعالب ولا خفّة الأفاعي ولا غدر العقارب ولا وداعة الحملان ولا مقارعة الثيران ولا تكشيرة الذئاب ولا جسارة الأسود ولا حقد الجمال.. وانما هو مزيج من ذلك كلّه، استطاع “سيد الأرض” أن يبتكرها ويتعامل بها، ويتعرف الى أنسب الأوقات لاطلاقها واقتناص أثمن الفرص من خلالها. وبات انسان اليوم مولعا بتسخيرها، حتى على نفسه؛ فالأزواج يضحكون على ذقون زوجاتهم، والزوجات يضحكن على ذقون أزواجهم، وكذلك الآباء والأمهات والأبناء والموظفين والمرؤوسين والمديرين والزعماء على ذقون الجماهير والشعوب على ذقون الزعماء.
والضحك على الذقون تطوّر ليركب موجات حياتنا كلها؛ فتسلل الى الأيديولوجيات والقيم والمبادئ والتقاليد والبروتوكولات.. وراح يمارسه العلمانيون والأصوليون والليبراليون والتكنوقراط. والخاسر الوحيد بين الجميع هو من تنطلي عليه هذه الضحكة ويمسح ذقنه بها(!).
كما ركبت المؤسسات والمنظمات الدولية موجة الضحك على الذقون، وفقراء الأرض يدفعون الثمن!
من يضحك على من؟
سؤال يلطم الرأس بقوة بعد كل مؤتمر صحافي يخرج به رئيس دولة قوية وازنة أخذت على عاتقها قيادة العالم ليؤكد أن بلاده قلعة النزاهة والدفاع عن الحريات وتحقيق العدالة، وهي ماضية بقوة في (رفع المهانة) عن بني البشر في اي بقعة على كوكبنا، في الوقت الذي رائحة فضائحه وفضائح حاشيته وادارته تزكم الأنوف!
سؤال ما انفك ينهش الرأس بعد كل مؤتمر صحافي يخرج به رجلا دولتين من (العيار الثقيل)، ليعلنا على الملأ أن وجهة نظر بلديهما متطابقتان حول هذه القضية أو تلك، وقبل أيام فقط من هذه التصريحات تكون الحملات الاعلامية على أشدها بينهما.. والأدهى من ذلك أنهما يودعان الكاميرات والحاضرين والمشاهدين بالضحكات، ليغادرا المنصة الى إعلان الحروب بأشكالها ووسائلها كافة!
سؤال يطيّر النوم من العيون بعد كل تصريح (لجزار) من بني البشر يطالع شعبه “بالحقائق والبراهين” على أن ما قام به من مجازر وخيانات ومزايدات ومناقصات، هو لمصلحة البشرية، وانتصارا (للّه) وللشعب!
انه سؤال ما انفك يجلدني بعد كل درس يتحفنا به هذا اللّص أوذاك عن النزاهة والشرف والأخلاق، بينما يخفي أرصدته المتراكمة من عرق الناس وسنين عمرهم في أماكن لا يصلها أنس ولا جان.
فيا علماء الأحياء.. ويا علماء النفس والاجتماع يا كل البشر، أنقذونا.. أنقذونا وإفضحوا الضحك الخبيث والضاحكين على ذقون البشر!.
د. بسّام بلّان
كتاباتك ممتعة كالعادة واختيارك لموضوعاتك أجمل وأروع، وقد استمتعت بتلك المطالعة الموفقة حول “الضحك على الذقون” سلمت يداك، لكن ربط هذه الخصلة السيئة والعادة المقيتة المتمثلة بالنفاق البشري، على أنها إحدى جوانب الضحك الذي يعبر عن سعادة الناس ويعكس فرحهم، برأيي لم يكن موفقا. فشتان ما بين الجانبين رغم تشاركهما بالمسمى، لكنهما على طرفي نقيض في العادات البشرية . تقبل تحياتي ومودتي.