السبت الثقافي في ” ميزان الزمان ” الأدبي :
بيروت تستعين على تعبها بالقصيدة
عباس بيضون: “العيش مادون العادي حالة عامة”
( بقلم الكاتبة والاعلامية دلال قتديل )
-×-×-×-×-
بحر صور بعدسة ناجي رضا
في البعيد نلتقط لهاث بيروت
خلف القصيدة، نلامس وجوهها أحرفاً تتدحرج على لوح مضاء، الشاعر عباس بيضون يطل بكلمات مُجرّبَة ، مدعوكة بالتعب .
تكاد الصورُ ترسم اسماً، شوارعها، مقاهيها وحتى كلابها.
يُقلبُ أوجاع مدينتنا ، يتلاعب بوعينا لندرك تبدلاتها،
يتجاوز الكوابيس الغارقة تحت قاع إلانفجار المزلزل ،
يُحرك القلقَ الكامن في لا أمان الجماعة.
تلتهمنا القصيدة، ما نفع الصراخ وسط اللاجدوى؟
ربما تُطلق النداء الاخير .
تتخفى في الشاعر “الأنا”، تنحني وتضمحل أمام قهر الجماعة،
في بوحه المعنون “الورثة والأدوات”:
“يمكننا ان نتحدث هكذا عن رجل ورث مدينة
كان عليه ان يجمعها في حجرة
وان تكون ليوم آخر
في ساعة يده وفي جاربيه
كان عليه ان يفرشها على لوح مرقوم
ويدعو كلبه ليبيت فيها
هكذا كانت شيئاً لرأسه
وشيئاً لعنقه
وما لا بد منه ليجعل من قميصه طائراً
ومن سرواله ملكاً
قبضته في عقدة الشارع
وحكيه السوق وأحياناً النهر او الوقت
قد يصنع أنصاباً من هفوة لسان
لكن الأساطير تحتاج الى أكثر من نزف
وقد تكون صداعاً موقوتاً
وليس اكثر من مِزق في العباءة
ما كنا نسميه القادر
او ننصب له مرآة
نتركه يستخرج لعاباً من بصاق طيار
ومن إحدوثة سافرة
الورثة منصوبون كالأدوات
وثمة مدن مفقودة منذ الصباح
ثمة هواء هائل يقع على ملاعب الشتاء
ويترك أبراجاً ورسوم معابد
وأمراء في ثياب النوم
وفي النهاية
ثمة ما يولد من همود الساعة
ومن خرافات الزوال
ثمة ما لا يحتاج الى أسطورة لتعيين الوقت
مما لا يصفر بدون اذية
وما لا يتوقف عن دعوة الزلزال”.
عباس بيضون بريشة الفنان هادي ياسين
تتلوى المرايا،نلملم حطامها،
نتشهى بيروت التي عرفناها على نسَق الشعراء،
بيروت الفكرة تجاوزتها القصيدة ، فككتها، النصب والاسطورة تنسحب لحياة ممجوجة، مقهورة .
نبحث في القصيدة عن المدينة العتيقة ،عن شعاع يكسر عتمتنا، عن فضاء حرية في هواء فاسد، عن ضجيج الأرصفة حيث يعزّ ثمن فنجان القهوة على المثقفين.
يتناهى تعب الوجوه من شقاء الأعمار بتجارب الإحباطات.
يبدو الإكتفاء باللحظة سبيلَ الهرب من الأسوأ ، التمعن بالأمس مشقة والغد سراب ، يغرقنا الزمن برماله المتحركة، نرفع راياتنا، كمشة ذكريات ، تلملم صورَها القصائد. نوغل في الفراغ يهضمنا على مهل، يجرف السنين المتبقية، بطيء بطيء، ونحن بلا حراك، كأننا ننتظر ان ينهي مأدبة إلتهام المدينة.
تميدُ بنا الخطى،
خارج القصيدة “الحياة هنا ما تحت العادي” يجيب الشاعر عباس بيضون ،
وكأن “ما تحت العادي بات حالة عامة للبلد”.
دلال قنديل
بيروت
الكاتبة والاعلامية دلال قنديل