محمد علي الخطيب – إنسانٌ متعدد المواهب
(1937 – 2023)
“تَذَكَّرتُ مَن يَبكي عَلَيَّ فَلَم أَجِد
سِوى السَّيف وَالرُّمحِ الرُدَينِيِّ باكِيا
يَقولونَ لا تَبعُد وَهُم يَدفِنونَني
وَأَينَ مَكانُ البُعدِ إِلا مَكانِيا”.
محمد علي الخطيب ،رسام، شاعر، كاتب مسرحي ،وناقد، غزير الإنتاج في كل هذه الفنون . يتصف فن الرسم عنده بتعدد المراحل والاتجاه الفكري. علاقته بالحياة متينة وارتباطه بالإنسانية ارتباط عميق ،ويبدو ذلك في شعره ورسمه ومسرحه… مكانته عالية في عالم الفكر … كان أستاذا لمادتي الرسم والمسرح في الجامعة اللبنانية – معهد الفنون الجميلة ، وهو عضو اتحاد الكتاب اللبنانيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ، وجمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت ، والجمعية العالمية للفنانين التشكيليين المحترفين و”حركة الحوار التضامني – لبنان والدول العربية”… إنتاجه مستمر وحضوره دائم … وله تأثيره في حركة الفن اللبنانية والعربية … عاش حياته بين الريشة والقلم والخشبة في خطّ إبداعي متواصل.علم من أعلام الثقافة والعِلم والفن الراقي ، والولاء الخالص للبنان ….
رسام، شاعر، كاتب مسرحي وناقد. أبدع في العديد من المجالات.
جسّدت ريشته الطبيعة والحب والقضايا الإنسانية والفكرية، وخطّ قلمه أجمل الأبيات في الغزل والوجدان والوطن …فنان متعدد المواهب والمبدع الدائم. هو محمد علي الشيخ يونس الخطيب من بلدة برجا في إقليم الخروب – قضاء الشوف . كانت ولادته في بلدته صدفة، فقد حصلت خلال زيارة والديه لها. والده علي الخطيب (كان عسكريًا في قوى الأمن الداخلي)، أما والدته فضيلة حمود فكانت ربّة منزل. وهو الولد الثالث لعائلة مؤلفة من تسعة أولاد.
ترعرع الخطيب في مدينة الشمس “بعلبك” وتأثر بطبيعتها الخلابة، وأدهشته أعمدة قلعتها الأثرية. جاب شوارعها مئات المرات صباحًا على دراجته الهوائية، فاختزنت ذاكرته صورها الجميلة، واستوحى منها عشرات اللوحات وهو في العاشرة من عمره.
قبل بعلبك كان والده يؤدي خدمته العسكرية في عين زحلتا وهناك تلقى علومه الإبتدائية في مدرسة للراهبات، وبعد الإنتقال إلى بعلبك تابع دراسته في معهد مار مارون، أما علومه التكميلية والثانوية فتلقاها في مدرسة بعلبك الرسمية.
كان التلميذ الموهوب يرسم في الصف وفي معظم الحصص، وكان الأساتذة يوجّهون إليه الملاحظات في معظم الأحيان، ولكنهم كانوا يغضّون الطرف أحيانًا لأنهم كانوا معجبين بلوحاته وبأسلوبه في الرسم. تتلمذ على يد الرسام الكبير رشيد وهبي في بعلبك، وبدأ يرسم اللوحات وهو في سن العاشرة من عمره، وطلائع معارضه الـ 15 في تلك الفترة كانت وهو في سن الخامسة عشرة، وقد تضمّنت لوحات جميلة تنوعت مواضيعها بين الطبيعة والناس والحيوانات. تنقّل بأعماله الفنية في تلك الفترة بين بعلبك، بيروت وصيدا، ثم غادر إلى مصر حيث درس في معهد الفنون الدولية في القاهرة، وحاز ديبلومًا في فن الرسم والكاريكاتور بدرجة ممتاز.
العام 1969 تزوّج الرسام محمد الخطيب طالبته في دار المعلمين والمعلمات في صيدا السيدة ذكاء عارف الحر (استاذة في الأدب والمسرح وعلم الإجتماع في الجامعة اللبنانية)، وأنجبا ثلاثة أولاد، المرحوم الدكتور المهندس باسل (كان يعمل مع الأمم المتحدة ومقيم في فيينا) والذي فجع في وفاته في 27 حزيران 2022 في القاهرة، إياد (دكتوراه في هندسة الكومبيوتر والإتصالات،)، رنيم (ماجيستير باللغة الإنكليزية وآدابها).
ورث أفراد العائلة الموهبة عن والدهم، وشاركوا في الأعمال المسرحية التي أعدّها وأخرجها.
بعد عودته إلى لبنان أنشأ عدّة محترفات في صيدا وبيروت، وراحت ريشته تجسّد ما اكتنزته الذاكرة من جماليات طبيعة بعلبك وإنسانها وقضاياها الإجتماعية والفكرية، ولعلّ من أبرز لوحاته، لوحة مراحل بنيان قلعة بعلبك، ومجموعة لوحات ملحمية حول مواضيع وطنية، ولا سيما الإجتياح الإسرائيلي، وما واجهه الشعب اللبناني خلاله من إنتهاكات لحقوقه، ومن إذلال لكرامته لكن هذه اللوحات لم تعرض لغاية اليوم.
أما لوحة «المعجزة» والتي تجسّد مآسي الحرب اللبنانية وويلاتها، ومعجزة بزوغ فجر الأمل وسط الركام، فقد أدرجت في موسوعة « مئة عام من الفن التشكيلي في لبنان 1880 – 1990 – الجزء الثاني».
أقام الخطيب عدة معارض، ناهز عدد الخاص منها الخمسين معرضًا، إضافة إلى معارض مشتركة في لبنان وخارجه، إنطلاقًا من الدول العربية، وصولاً إلى أوروبا وأميركا. وقد لاقت لوحاته الكثير من الإعجاب من قبل المجتمع الغربي، نظرًا إلى طريقة مزج الألوان فيها وفرادة مواضيعها.
لم يكن لطموحه في تحصيل العلم حدود، فانتسب إلى كلية الآداب في الجامعة اللبنانية، وحاز إجازة في اللغة العربية وآدابها العام 1963.
وتابع مسيرته الفنية، ولكن هذه المرة في المجال الأكاديمي، حيث بدأ بتعليم مادتي الرسم والمسرح (في الستينيات) في دار المعلمين والمعلمات في صيدا وبيروت. كما درّس في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية منذ العام 1974، ولغاية بلوغه سن التقاعد العام 2001.
شغف الرسام الخطيب بالرسم لم يصرفه عن الشعر والمسرح. ففي الشعر أصدر العام 1982 «ديوان محمد علي الخطيب» (أربعة أجزاء)، إضافة إلى مجلد في «المسرح الشعري».
أما في المسرح، فقد كتب نحو ستين نصًا مسرحيًا، ومن أبرز مسرحياته:
«الطعام»، «الكلاب»، «الزعيم»، «السلطان»، «بيت الشيطان»، «الندم»، «الجلاد»، «الطريق» و”الأفق”
بعض مسرحياته تمّ ثمثيلها في عدة دول عربية: «الطريق» في سوريا، و«الأفق» في العراق….
كما أنه أسّـس مع عائلته العام 1973 فرقة مسرحية سمّاها «مسرح الجنوب»، وقدّمت عدة مسرحيات من إعداده وإخراج زوجته ذكاء وتمثيل أولاده… ومن هذه المسرحيات «الطعام» التي استشرفت الحرب الأهلية اللبنانية، وكذلك «على قارعة الطريق»، و«إلى قانا» (1997) إثر مجزرة قانا… استقطبت هذه المسرحيات جمهورًا كبيرًا، فنصوصها تحاكي الضمائر والوجدان، وتلامس القضايا الإنسانية والسياسية والإجتماعية التي يعيشها الشعب اللبناني.
وللخطيب عدة كتب منها «الصراع الأدبي مع الشعوبية»، وأبحاث في النقد الأدبي والفني، نشرت في عدة مجلات وصحف لبنانية وعربية، وكذلك مقالات وأحاديث حول فنه وشعره.
تأثر محمد الخطيب بالمدارس الكلاسيكية والرمزية في الرسم، وتميّزت لوحاته بالألوان الثابتة الرئيسة (الأحمر والأزرق والأصفر)، ليشتقّ منها باقي الألوان. كما اشتهر بعملية التشريح، بحيث نجد التناسق الكامل بين أجزاء لوحته وألوانها وكائناتها (الإنسان، الحيوان والنبات).
رحل الأديب والشاعر الرسام والكاتب المسرحي محمد علي الخطيب بعد مسيرة زاخرة بالعطاء والإنتاج المثمر.
رحم الله إبن خالي الغالي محمد علي الخطيب وأدخله فسيح جناته وألهم عائلته وذويه وكل من عرفه الصبر والسلوان.
فادي الغوش
صور اللوحات المذكورة في المقال: