سيف جدي وحماره – الجزء (3) :
“أهمية الحمار بما يحمل..”
بقلم: د. بسّــــام بـلاّن
-×-×-×-×-×-
لم أخفِ يوماً إعجابي بحمار جدي أثناء صغري، وبمدى قدرة هذا المخلوق على ترّضني على طرح الأسئلة، التي صارت اليوم قصصاً أستمتع بتذكرها وكتابتها والحديث بها.
فإليكم هذه الحكاية:
معروف أن من عادات أهل الأرياف قديماً، مساعدة بعضهم بعضاً في أفراحهم وأتراحهم، وبكلٌّ بما يقدرون عليه. وكانت المناسبة التي رافقت جدي إليها أثناء تقديم معونته لأحد أبناء قريته عرساً. فحمّل حماره بالأكياس والصفائح وأشياء لا أعرف ما فيها، حتى ناء حماره القوي بحمله. وأمسك برسنه وقاده خلفه، بينما أنا الذي منّيت النفس للركوب، مشيت أنا بجانب جدي لأنه لم يعد على ظهر الحمار من متسع.. وبعد مسير استغرق قريب الساعة وصلنا بيت أهل العريس، وكان قد سبقنا إليه كثيرون يحملون على ظهور حميرهم ما قدّرهم الله عليه.
وما أن وصلنا حتى راح صاحب البيت يهلل لقدومنا، يطلب من الآخرين افساح الطريق ليمر حمار جدي.. رغم أنه كان آخر الواصلين، فقد كان أول الداخلين للبيت.
تصرف صاحب البيت هذا جعلني أزداد أعجاباً بحمار جدي، وشعرت بالفخر به، لأن الناس أيضاً تراه كما أنا أراه. وعندما عدنا للبيت قلت لجدي: أرأيت يا جدي كم هو حمارك مهم وبطل (؟!).. الجميع أفسحوا له الطريق ليدخل قبلهم.
ضحك كعادته من كلامي وقال لي يومها: لا جدي لا تخدعنك المظاهر، لقد أفسحوا لحماري الطريق لأنه يحمل على ظهره أكثر مما تحمله الحمير الباقية.. فيا جدي الحمار حمار؛ ولكن تبقى القيمة لما يحمله.. فلم يُعجبوا بالحمار ولكن أغراهم ما يحمله، لذلك هللّوا له وقدموه على غيره. فالحمار يا جدي إذا كان يحمل ما يغري الناس، سيرون في نهيقه أجمل الموسيقا.. وفي رفسه “رقصة زوربا”.. وإن ظهره فارغاً أو عليه كومة حطب مثلاً، فلو كان من أعرق السلالات وبمعجزة جلس خلف البيانو وعزف أجمل الألحان سينظرون إليه بخفة وإزدراء وتحقير.. وبأنه حمار كيفما تحرّك وكيفما توجه.
( تابعوا الحلقة الرابعة من هذه السلسلة يوم الاثنين المقبل )
الكاتب د. بسّام بلّان