المحطةُ التالية… (ج 1)
قصة بقلم الكاتبة نجاة الأغر
-×-×-×-×-
لم اكنْ أَعلمْ أنَّ السَّعادَةُ تَنْتَظِرُني في هذهِ المحطَّة، كانَ باعْتِقادي انني نِلْتُ نصيبي من السَّعادة في الحياةِ واكتفيت..
وصلَ القطارُ إلى المحطةِ وما كنتُ انوي الصُّعود، بعدَ تردُّدٍ وحيرة، حملتُ امتعتي وصعدت.. كلّ المقطوراتِ كانتْ مقفلة!!! أحاولُ انْ أجدَ باباً مفتوحاً لأدخلَ منه، مشيتُ قليلاً ووجدْتُه، فأسرعتُ بالدخول.. والتفتَ إليَّ بكلِّ جسدِه.. لا أعلم كيف جلست.. وكيفَ انَّني لم أستطعْ انْ أُبْعِدَ وجهي عن نظراتِه.. حاولتُ ولم أستطعْ وكأنَّ به ” مغناطيس ” يشدُّني إليه.. وكأنه تجمَّد في قالبٍ مُقفَل لا تظهر منه سوى عينيه.. شعرت بِقِشْعَريرة تسري في كلِّ جسدي وكأنَّ بُركاناً تفجَّر داخلي، ٱحْمرَّتْ خدودي وأحسَسْتُ بحرارتي ترتفع.. هل أصابني ذلك الوباء الذي يضيقُ به النَّفَسُ وترتفعُ الحرارة ويُشتَّتُ الذِّهن..
فجأة، وجدتُهُ قد تسلَّل وأصبح قريباً مني.. لم أبتعد، لم أستغرب، وقد ٱقتربتْ أنفاسه مني، بدأتُ أرتجِف وقد تُهْتْ وكأنِّي في مكانٍ غير الأمكنة وزمانٍ غير الأزمنة.. القطار مُسرِع وبدا كلّ شيء سريع.. تَسَلُّله قربي، تَقَبُّلي لوجوده بجانبي، نظراتي التي لم تبرح وجهه.. كل شيء سريع وقلبي يخفق سريعاً.. ولم أشعر إلا ويديه تحتضنني، لم تُبعده يديَّ بل ٱسْتَسْلَمْتُ له، ودون كلمة أوحيت له انني خائفة من السرعة فبدأ يهديء من روعي، إحتضنني اكثر حتى شعرت بالأمان…
ما هذا القطار واين انا؟ شعرت أنَّه كان ينتظرني وكأنَّه قد حجزَ المقصورةَ لنا، وكأنَّ هذه المقصورة فيها سرّ السعادة فمن يدخلُ إليها لا يفلت من عقابِ الحب.. نعم ألحب هكذا دون مقدمات وروايات، لقد أحببتُ قبلاً، ولكن لا هذا لم يكن حباً، شيء ما غيَّر كل شيء، غيَّر الدنيا لي، نورها وكأن الألوان كلها ٱجتمعت لتظهر كقوس قُزح برَّاقَة مُبْتَسِمة.. هل رَسَمَتْهُ الحياة لي؟؟ وبقيتُ بين ذِراعيه أرتوي من عشقٍ غابِ عني دهراً.. وسَرَحْتُ في أحلامٍ ورديَّة..
وفجأة صحوت على صوت القطار وهو يقف.. إنها المحطة الأخيرة.. ماذا افعل؟ ماذا أفعل هنا؟ من قالَ انَّه يَحِقّْ لي هذا العِشْق؟ من قال أنَّ البابَ فُتِح لي؟ من قال أنَّ هذه السعادة من حقي؟
ٱنْتصَبْتُ واقِفَة مُسْرعة أجُرُّ أمتِعَتي وخَيْبَتي ورائي.. مَشَيْتُ ومشيتُ حتَّى وصلتُ إلى بابِ القطار مُسرِعة في النُّزول مُتَجاهِلة صوتَه الذي يَصْرُخ “عودي ولا تخافي انا معكِ ولكِ”..
لكني لم ألتَفِت، والقطار بدأ بالسير وقد لاحَ لي وجهَه من نافذة القطار يرمقني بِنَظْرةِ حسْرةٍ والمٍ وحزنٍ شديد…
مشى ومشى وٱبْتعَد القطار ولا زلتُ اقف على تلكَ المحطَّة أُلمْلِمُ خيباتِ الأمل……
( يتبع الجزء الثاني في الاسبوع المقبل )
الكاتبة القصصية نجاة الأغر