الدودوك البرجسيّ بين نشيج ونشيد
نشيج الدودوك…رواية، أم سيرة ذاتية، أو سرد لرحلة الأديب جلال برجس إلى عالم المغامرات، حيث المكان اللامكان، والزمان الهارب من كينونة اللحظات.
ليس في وصف الأمكنة في السيرة/الرواية/ الرحلة البرجسيّة انشطار الأنا بين الأمس واليوم.
أنا الرواية هي الدودوك. وهي آلة موسيقية أرمنية تشبه المزمار. أنغامها حزينة كأنها تعلن حزنا دفينأ إثر المذابح التي أصابت الشعب الأرمني، في بداية الحرب العالمية الأولى.
أما النشيج فهو إحساس لا تصفه الكلمات بعمق الرابط بين أمكنة ثلاثة تشكّل عنوانا لرحلة الذات السندباديّة بحثاً عن الأنا الهائمة بين الواقع والمستقبل.
نشيج الدودوك سيرة ذاتية للأديب برجس…. هذا في الظاهر. أما في الباطن فهي سيرة شعوب أرادت الحياة فاستجاب لها القدر. وما الأمكنة الواردة في السيرة/ الرواية إلا تصوير للبحث عن الهوية والعودة إلى الجذور تماما كأوليس في محاولاته المتكررة للعودة إلى بينيلوبي.
والمفارقات الغريبة في رحلاته هي البحث عن الهوية الحضارية، وسط الصراع بين الحضارات والأديان. ولعل الكتب التي أخذها الكاتب في رحلاته خير دليل على هذا الصراع. فكأنه يدرس الحضارة من خلال نقيضها، إذ زار الجزائر وهو يحمل كتاب الغريب للأديب الفرنسي ألبير كامو. وزار بريطانيا وهو يحمل كتاب موسم الهجرة إلى الشمال للكاتب السوداني الطيب صالح. وزار أرمينيا وهو يحمل كتاب رسول حمزاتوف الأديب الداغستاني الذي غنّى للقيم، ودعا إلى حرية الشعوب، والوقوف في وجه القوميات.
هي رسالة الأديب يحملها نشيدا للشعوب ، في صراعها الحضاري، بين الشمال والجنوب، بحثاً عن الهوية الإنسانيّة التي تجمع ولا تفرّق.
جلال برجس، أيها الأديب الغريب، كنت جريئاً في بحثك عن وطن القيم الإنسانيّة الخالدة، في عمق أعماق الذات. حاولت محو الدماء من صفحة غلاف الكتاب، حياتك المعتّقة بالمأساة، فسادت الظلمات. ويبقى سؤالك الأول: متى يخلع الإنسان الوجوه المستعارة، ويتحوّل نشيج الدودوك إلى نشيد مفعم بالفرح والأمل؟
د. جوزاف ياغي الجميل
( هنا رابط يوتيوب لمن يرغب بمتابعة ندوة الغرفة 19 للشاعرة