السبت الثقافي في ” ميزان الزمان “:
الكاتبة والاعلامية دلال قنديل تقرأ ديوان الشاعر عبداللطيف اللعبي “لاشيء تقريباً” مترجماً للعربية.
-×-×-×-×-
قلة من الشعراء يمنحون حياتهم الملهمة لنصهم المشرع على التجارب.الشاعر المغربي – الفرنسي عبداللطيف اللعبي يدخلنا عوالمَه المتعددة بقصائد مسكوبة بمشهدية مفتوحة ، مرنة ومتماسكة.
ليس شعره ملتزماً ، المنفى، الحب ، السجن، الطبيعة، والفلسفة ، حيوات عدة تعبر امامنا بثوب القصيدة هو يقول إنها ست.
“حياة سابعة”
“كم حياةً عشت
يروق لي أن أخمنَ أنها ستٌ
وتبقى لي سابعة(…)
انتهى الانتظار
انتهى التّمنيّ
سيكون هناك فقط
دليلٌ أخيرٌ على الحب
الاستسلام التّامّ
ثم الابتعاد
حتى اختفاء كلّ الآفاق
وحلول عهد الصّمت”
من هذا العمق تتوالى قصائد الديوان .
“لاشيء تقريباً”من اللاشيء يعبر بنا الكاتب والشاعر، المسرحي عبداللطيف اللعبي الى خلاصة التجارب .
قصائده متعددة التموجات. عالمه متمازج، مسكوب بروح التمرد على السّجان، بالتماهي مع الفضاء والافق اللامحدود للطبيعة الساكنة، المتحركة في دواخلنا.
فضاؤه حر ، لم يطوعه السّجان على مدى عشر سنوات قضاها خلف القضبان. عبق الاقبية وعتمتها تتسلل من قصائده.
الذاكرة المثقلة بالتمرد لا تستكين.
“الاسم الآخر للشعر” بهذا العنوان يمهد الأديب عيسى مخلوف للقصائد بمقدمة خصصت لترجمة محمد خماسي للديوان الصادر عن دار الرافدين.
في قراءة متعمقة لروح النص يقول مخلوف في مقدمته:
” يقف عبداللطيف اللعبي،في هذه المجموعة، على شُرفة مُطلّة على المدى الواسع وعلى تقلُّبات النهار والليل.يلقي نظرة الى الأمام وأخرى الى الوراء.الى ما جاء والى ما سوف يأتي.يستشرف الآتي ويستشعر جبل الجليد الذي سترسو عند سفحه سفينتُه المُبحرة مُدركاً أن الوقت سيظلّ يتدّفق من بَعده”الوقت الذي يأكل الحياة” وفق شارل بودلير.”
غلاف الديوان
“قصائد هذا الديوان هي قصائد الحَصاد التي اهتدى بها كاتبُها إلى ما هو أثمن من الأيّام التي تمضي: الكتابة. الكتابة كاسترجاعٍ للحياة. يكتب عبد اللطيف اللعبي “كي لا يتعفّن/ الجسد والروح/ قبلَ القطاف*”. كأنّ التوقُّف عن الكتابة، هنا، هو توقّف زمنه الشخصيّ، وهو الموت قبل أوانه.
لقد حلّ المساء ولا بدّ من جردة حساب في ضوء الشعاع المُتبقّي، كما فعل نيكوس كازانتزاكيس في كتابه “تقرير إلى الغريكو”. في قصيدة “أشرعة الطفولة”، حيث “الطفولة تدنو/ وتنأى”، يتذكّر عبد اللطيف اللعبي صوت “السجين الذي كُنتُه/ وحيدًا في الزنزانة”. وفي قصيدة “الرحيل” تراوده صورة عوليس العائد إلى إيثاكا وهواجس الشيخوخة، “بينما الرّحيلُ هذه المرّة/ بالنسبة إليه/ له رنينُ ناقوس الموت/ فلا تِيهَ هناك/ ولا أمل في العودة”. هكذا يبحث الشاعر عن سيرته الذاتيّة في اليقظة والحلم، في الواقع والأسطورة، وفي توقه إلى الحرّيّة. يبحث عنها في المنفى أيضًا. ليس المنفى بالمعنى الجغرافي فحسب، بل منفى الروح التائهة الذي يحمله كلٌّ منّا في داخله. في حديثه عن سيزيف، يحكي اللعبي عن انتظار “بلا نافذة/ بلا نجمة بين العينين”، وعن الوهم “لإرباك وحش اليأس”.
الشاعر عبد اللطيف اللعبي
تصعب الكتابة بعد قراءة معمقة لما وراء القصيدة.
نوغل في رحلة المعنى وتتوالى 41 قصيدة بينها قصيدة مهداة للشاعر مخلوف، تشع فيها بيروت بأنوارها، وتنير النجوم جبل اهدن.
” كهفُ الحَمام”
“عُصفوران
ولا حَجَر
البحرُ
عَلمٌ يرفرفُ في الفراغ
وتحت الفراغ كهفٌ
الشمسُ تشرِقُ
المشّاء يخرجُ من المَوْجة
والسّماءُ واطئةٌ جداً
صورة الاب
(……)
المعشوقة والصَّديق والقصيدة
الغَدُ ستمْتصّهُ
الغيوم
مأساة الحُبّ
الحمراء
صباحاً
اشجار الجاكراندا
تَصْحو
وتتمطى فرحاً
قبل خمسين عاماً
كنتُ هنا
كنا جميعاً هنا
(…..)
في إهدن
تَفْردُ السَّماء أجنحتها
وتتدلى
لتُداعِبَ
وادي قاديشا
المسيح يأكل
ويضحك
ويتحدث بالعربية
في الليل
خطواتٌ وئيدةٌ في بيروت
هَديل الأصوات
أيقوناتٌ بَدَل الوجوه
في الكنيسة المهجورة
سِكّين الغِناء
ينكأُ الجراح
بَكيتُ”
” الروشة-بيروت
سبتمبر2018″
أطلت القصيدة من زهو بيروت الى مستقبلها قبل أن تخبو انوارها.كأن بالشاعر إستشف ارتحالها،قبل الانطفاء.
قصائده متحفزة للعمق ، لأبعد من الرؤية، مشحونة بالمآل والوجود.
“سلام”
” أيها السَّلامُ
أحنُّ إليكَ
(…)
أيها السّلامُ
مُدَّ لنا يَدَك
ريثما نتعلم من جديد
أن نتنفَّس و نَمشي
أن ننظُرَ ونُنصِت
ونضحكَ ونبكي
ريثما نتعلَّم من جديد
كلماتِ الحنان
وحركاتِ الحب
وأبجدِيَّةَ الجَمال
وتَرانيمَ الأُخُوة”
تنحو القصائد منحى التأمل الفلسفي الانساني ، “التفاؤل رياضةً….فأكثر المتفائلين إيماناً
يمرّ هو الآخر بفترات صعبة
يفقد أعصابه
وتحاصرُه الشّكوك
ويصيبُهُ الإحباط…”
لوحات زاخرة بالتمرد والعشق والتأمل تلك القصائد مثقلة بهموم المعاش دون أن تخنقنا.
لا يخرج الشعر عن واقعية الصورة ،بل يفتح لها المنافذ،يتركها طليقة كالفكرة، تعبر يومها ليختمر غدنا بالحلم.
لاتنقضي القصيدة بإنتهاء قراءة الديوان، تسكننا تلك الروح الهائمةبحكمة الاستشراف ،وجمالية البوح، مشفوعةبشفافية التجارب وقسوتها .
دلال قنديل
ايطاليا
الكاتبة والاعلامية دلال قنديل