نقلا عن موقع ” المسرح نيوز ” الذي تشرف عليه الاعلامية والمسرحية صفاء البيلي :
المسرح نيوز يقدم “ركن السؤال” مع المسرحي اللبناني « مشهور مصطفى »: أنا نقطة في بحر الفنون.. والتكنولوجيا لم تزل تحمل إلى المسرح الحلول والحيل التي يحتاجها
-×-×-×-
ركن « سؤال الراهن »
فكرة وإعداد الناقد : حامد محضاوي
إشراف: صفاء البيلي
ركن ينتمي لجدارة السؤال في السياق المسرحي الحالي، لا يبنى على أرشفة التصنيف أو أحاديّة الإقناع. ركن يبحث عن حقيقة؛ هناك حقيقة وهناك الحقيقة بأل التعريف والسعي نحو حقيقة ما، وليس الحقيقة. وبهذا المعنى فهي معرفة نسبيّة دائما ولكنّها تتضمّن بذرة من المطلق دون أن تكون هي المطلق. هي كما يقول إدوارد الخرّاط: ” حقيقة دائما أيضا نسبيّة بمعنى أنّها ليست نسقا في الفن فلسفيّا أو معرفيّا كاملة “. بهذا المعنى لا يمكن أن تكون إجابة شاملة ومحيطة بالمعنى ككلّ. هي دائما – كما أرجو – ذهاب إلى أعمق فأعمق بدون الوصول إلى تشكّل راكد.
من هنا أرى « سؤال الراهن » كرافعة لتنضيج المعنى الإشكالي، ورسم مآل متشابك للرؤى المسرحيّة، وليس تجميعا مسقطا للهواجس والتعاريف. لست أظنّ أنّ من مهام المسرح أن يضع حلولا أو يجيب عن أسئلة، مجرّد وضع سؤال في السياق المسرحي هو كلّ ما أسعى إليه عبر هذا الركن.
ركن « سؤال الراهن » محمل تساؤلي عبر جملة الأسماء المتدخّلة، في إطار تثمين التشبيك اللحظوي من خلال تيمات « الراهني »
و « الآن وهنا » ابتعاد عن الإخبار الصحفي واقتراب من جدوى التفكّر في السياق المسرحي. عبر أسئلة عشر تطرح لكلّ ضيف نحاول بناء لحظة جدليّة نافذة وفاعلة في رهان التشكّل العام.
يسرّنا في هذا الركن استقبال المسرحي اللبناني:
« مشهور مصطفى »
في مساحته الحرّة، بين الذات وتفاعلها الراهني في الآن وهنا.
– من أنت الآن في المسرح؟
إنّه سؤال صعب للغاية. أنا في المسرح في عيون وانطباعات المتلقّي والناقد وبحسبهما. قد أكون نقطة في بحر الفنون عامّة والفن المسرحي خاصّة. أستطيع القول أنّه كلّما تقدّمت بي التجربة في المسرح أو تقدّمت بها، على الرغم من مخزوني المعرفي والتجريبي في علوم الفن والمسرح، كلّما أدركت أن للمسرح أسرارا يجب اكتشافها والإمساك بها، ذلك أنّ السؤال المقيم دائما يتعلّق بمدى التأثير الملموس والفاعلية الواقعيّة للمسرح في المجتمع.
– ما مضى منك في المسرح: ما بقى وما سقط؟
إنطلاقا من طبيعة العلاقة الإستثنائيّة للمسرح بالحياة، فإنّ المسرح هو بمثابة بروفة مستمرّة لها والعكس صحيح أيضا. قد نعتبر الحياة بما هي معطى واقعي وطبيعي، بمثابة بروفة دائمة لعرض مسرحي قد يأتي ليعبّر عمّا هو حقيقي فيها. وانطلاقا من هذا الطرح، فإنّ ما تقدّم منّي كمسرحي وما تأخّر وأيضا ما قد سقط هو لم يزل بروفة… بروفة.
– في الراهني الآن، ما هي درجات التمثّل الجمالي التى تراها قادرة على بناء العرض المسرحي بأبعاده المختلفة؟
التمثّل الجمالي هو العنصر الأكثر أهميّة في العمليّة الإبداعيّة وقد يكون المترجم الأوّل لها في العملية الفنيّة المسرحيّة. وعلى الرّغم من وجود عوامل أخرى في بناء العرض المسرحي ( المتفرج يساهم في إنتاج العرض المسرحي أو في إعادة إنتاجه – مستوى الإنتظار – درجة التوقّع…)، فإنّ درجات التمثّل الجمالي تختلف من صانع عرض مسرحي إلى آخر، وبما أنّها تتعلّق بالمخزون الثقافي والمعلوماتي أوّلا لدى صاحبه وبالموهبة الإبداعيّة ( الإحساس والخيال والأفكار وطرائق التوظيف والتوليف الخ.) فإنّها تمتدّ لتشمل الكاتب والدراماتورج والسينوغراف والممثّل إضافة للمخرج، وحيث سيحزم هذا الأخير هذا التمثّل في قبضته بحسب درجة انسجام التوزيع كمّا ونوعا على مجمل العناصر التي تؤلّف العرض المسرحي في انسيابية وإيقاع؛ فالعرض المسرحي المتكامل نسبة لدرجات التمثّل الجمالي هو نسبي دائما ويبقى تكامله بحسب ظرفه.
المخرج د. مشهور مصطفى
– في الآن وهنا، ما هو انطباعك على المعطى المسرحي العربي الحالي في مستوياته: الجماليّة والأكاديميّة والهيكليّة؟
ليس المعطى المسرحي والوضع المسرحي العربي هو ذاته على امتداد مساحة الوطن العربي. عندما يتعلّق الأمر بالإنتاج والتفرّغ والحرفيّة والفرق المسرحيّة الدائمة والدعم المؤسّساتي والرسمي للمسرح، وهذا ما ينعكس دائما على الإنتاج الجمالي وعلى الإنتظام والبنية لصيرورة الإبداع. إنً العلاقة ما بين الأكاديمي والفرق الفنيّة والمسرح الخاص لا زالت متعثّرة، أمّا بالنسبة لهيكليّة العلاقة ما بين المسرحيين من جهة وبينهم والمؤسّسات من جهة أخرى فهي متفاوتة.
– في الراهني الآن، مدى وجاهة التطوّر في الاشتغالات الحالية للذائقة المسرحيّة العربيّة مقارنة بغيرها؟
إنّ الذائقة المسرحيّة في الوطن العربي لا شك في أنّها تحسّنت وتطوّرت عمّا كانت عليه في السابق. هذا يعود لكثرة العروض المسرحيّة وتعدّد المهرجانات ( مع التحفّظ بالنسبة لمواقيتها وآليات المشاركة والحضور الفرجوي لعروض المهرجانات ). إنّ الذائقة المسرحيّة هنا هي تلك التي يعنى بها الجمهور المسرحي العربي وليس صنّاع المسرح، مع الإشارة للعلاقة الواضحة للتأثّر والتأثير والمتبادلة بين القطبين في العملية المسرحية. إنّ بناء وتطوّر ذائقة مسرحيّة ما لجمهور ما لا يتعلّق فقط بما تمً ذكره سابقا، بل يتعلّق أيضا بالتطوّر العامّ للذائقة الفنيّة وبالثقافة السائدة وبالتطوّر الاجتماعي والسلوك ونمط التفكير.
– في الآن وهنا، أي درجة تُخرج فيها الوسائط التقنيّة والتكنولوجيّة العرض عن كونه مسرحا؟
مع تطوّر المسرح حاليّا، والحاجة للبحث من أجل إيجاد حلول إخراجيّة بشكل دائم، كانت «التقانة» أو التكنولوجيا ولم تزل تحمل إلى المسرح تلك الحلول والحيل التي هو بحاجة إليها. منذ نشأ المسرح وبرز الممثّل ثم الجوقة بدأت المحاولات الميكانيكيّة التي تلبّي تطلّعات الرؤية الإخراجيّة، ثم ما لبثت أن تطوّرت مع التكنولوجيا لتصبح في رحاب التقانة الحديثة وولوج عصر المسرح الرقمي. وهنا تبرز المحاذير عندما تحلّ التكنولوجية الرقميّة محل الممثّل أو عندما تشوّه العارضات الضوئيّة في عمق الخشبة المنظر المسرحي وتشوّش الأبعاد وتبعثر الإيقاع العام للعرض، هنا الاستخدام المفرط للتقانة الحديثة يضرّ بالعرض. متى نستخدم التكنولوجيا؟ ثمّ كيف نستخدمها؟ يبقى السؤال الأهمّ.
– في الراهني الآن، مدى أهميّة التنظير المسرحي وحضور المعطى الفكري والفلسفي والثقافي في مدى الفعل المسرحي القائم؟
لا يستوي تقدّم وتطوّر المشهديّة المسرحيّة خاصّة والمسرح عامّة إلّا بتنامي هذه العلاقة ما بين النظرية والتطبيق. يوجد تقصير لدينا في هذه المسألة في الوطن العربي؛ فالفعل التنظيري لا يجاري الفعل الركحي المسرحي والتطبيقي على الرغم من وجود الندوات الفكريّة في المهرجانات والندوات التطبيقيّة. النقد المسرحي – سواء المباشر منه أم غير المباشر – لا يصيب الهدف في معظم الأحيان ومردّ ذلك لعدم تمكّنه من اللحاق بركب الإبداع، لأنّه يوجد بون شاسع بين التأويل المتعلّق بالإبداع والتحليل الذي هو من سمات النقد. وهنا دعوة للنقد المسرحي أن يبقى متحرّكا ومتحوّلا لاستيعاب الإبداع.
– في الآن وهنا، قيمة الجدل في الساحة المسرحيّة تعود لاختلاف الرؤى المسرحيّة أم لبناء الصفة الذاتيّة والتموضع؟ أي تمثّلات لهذه أو تلك؟
إنّ الجدل على الساحة المسرحيّة العربيّة إزاء الفن المسرحي في حال كان قائما، فهو خجول بالنسبة للحفر المعرفي والموضوعيّة العلميّة والتنظير المعمّق، وهو أقرب إلى التموضع الذاتي. التفتيش عن موطأ قدم للغالبيّة من المسرحيّين منه إلى ما سبق الإشارة إليه. إنّ النرجسيّة والذاتيّة في هذا الجدل يحوّله إلى جدال يراوح مكانه، وهناك فرق بين الجدل الفكري الموضوعي والجدال الذي غايته المضمرة تأكيد صفات شخصيّة.
– في الراهني الآن، أذكر لكلّ من هؤلاء وصيّة: المخرج، الممثّل، الكاتب المسرحي، الناقد، المتلقي، الهياكل المهتمّة بالمسرح.
للمخرج المسرحي نقول: توخّ الوضوح والبساطة في التعبير عن الرؤية الإخراجيّة الصعبة والمعقّدة دون التخلّي عن الجماليّة. واعرف جيّدا متى وكيف نستخدم التكنولوجيا الحديثة للإفادة منها لصالح العرض المسرحي.
للممثل نقول: بما أنّك سيّد الخشبة على الإطلاق إحرص على التمرين المستمرّ لجسدك وجسمك وعلى تغذية روحك بالجمال وتثقيف الذات والفكر. كن المسيطر على التكنولوجيا داخل الركح والمهيمن على الزمن، ثقيلا كالصخرة وخفيفا كالريشة، ثابتا كاليقين ومتحوّلا كالماء.
للكاتب نقول: أكثر من حضور العروض المسرحيّة، وحمّل الكلمة والسطر والفكرة أكثر من معنى في تعدّد إحتماليّة السؤال، تشارك مع مخرج العمل عند الإعداد وفي تحيين النص في البروفات.
للناقد: نوصي بجعل النقد وعلم النقد متحرّكا إبداعيّا مواكبا لجديد وتحوّلات العمليّات الإبداعيّة في العروض المسرحيّة، وبجعله مؤطّرا بالفلسفة وجميع العلوم.
للمتلقي المسرحي – الذي بدونه لا تستوي العملية المسرحية – نوصي بألّا يتخلّى عن السؤال الدائم للذات: كيف أساهم كمتفرّج في صناعة أو في إعادة صناعة العرض المسرحي كوني متفرّجا إيجابيّا، أو في إعادة الصياغة.
– في الآن وهنا، هل يمكن من سؤال الراهن استشراف ممارسة المسرح في المستقبل؟
يمكن التساؤل هنا عن مستقبل المسرح في ظلّ تعاظم استخدام التكنولوجيا الحديثة والرقميّة وأيضا وبشكل أساسي عن مستقبل الممثّل المسرحي، هذا أوّلا، وثانيا، هل المسرح بقادر على إحداث الفارق لصالح التقدّم وخلاص البشريّة من الظلم والهيمنة والتسلط؟ هل المسرح بقادر على تحويل العالم؟ وأي مستقبل للمسرح في ظلّ حياة دون مستقبل؟
الناقد حامد محضاوي