السبت الثقافي مع الكاتبة والاعلامية دلال قنديل :
الكتابة المفتوحة تمنحنا قراءة الواقع من منظار اللانهائيات.
الدكتورة وفاءابوشقرا:البحث الثقافي اكثر مرونةوالبحث العلمي ليس ترفاً.
-×-×-×-×-
إيطاليا – خاص لموقع ” ميزان الزمان ” –
كتبت دلال قتديل :
نتدرب بصعوبة على هضم سرعة الانصهار العالمي وتقبلها.. يجعلنا ذلك ، بوعي او لا وعي ، جزءاً من آلة تفهيمية . تدير محركاتها الاساسية بسرعة خيالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وسط هذا الهدير للذبذبات التي لا تهدأ حولنا، ليس اقلها هواتفنا التي تلازمنا على مدار الساعة، تتراجع الابحاث.
تكاد تضيع المعلومة الواقعية بين” زوان” التضخيم والتبجيل والكذب.
تعاني الثقافة تقهقراً ، كأحد مفاتيح التفكر ورسم سبل التغيير.
الظاهرة تتجلى بوضوح بعد انهيار المؤسسات في بلد كلبنان.
دلالات عدة تتضمنها مقالات اسبوعية لرئيسة مركز الابحاث في كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية الدكتورة وفاء ابو شقرا . كأنها تحاول فتح نوافذ السؤال حول تحديد المسؤوليات . دون إغفال إمكانية مَنح المتلقي فرصة تفكيك الواقع المأزوم بتسليحه بمقولات واستشهادات لكتّاب وفلاسفة.
د. وفاء أبو شقرا
في حواري معها تصف واقعنا لجهة البحث العلمي ب”المعضلة”،
في ظل غياب شبه تامّ لـ”ثقافة البحث العلمي” في الجامعات العربيّة ، خصوصاً ، والمجتمعات العربيّة، عامّة. “.. وبمعنى أوضح، تعاني جامعاتنا من ذهنيّةٍ فظيعة حيث ترى البحث العلمي كـ”ترف” ؛ والمسؤول بطبيعة الحال عن غرس هذه الذهنيّة والترويج لها، هو السياسات الاجتماعيّة والتربويّة والثقافيّة التي تنتهجها الأنظمة الحاكمة.”
هل تقف المسؤولية عند أبواب الجامعات؟: ” المسألة عميقة جداً .
يقوم الطلاب بالأبحاث (مُكرَهين غالباً)، لكونها تشكّل جزءًا من الانتاج المطلوب منهم إنجازه كي يستطيعوا نيل شهاداتهم (الماستر والدكتوراه خصوصا ). أمّا بالنسبة للأساتذة، فالأمر مختلف لأنّه يتوقّف على “ميولهم” و”قدراتهم” في مجال البحث العلمي. فمعظم الأساتذة يقومون مثل الطلاب، مُكرَهين، بالأبحاث لأنّها السبيل الوحيد لترقيتهم وزيادة مدخولهم المادّي.
وهناك أمر آخر يمكن وصفه بدافع القيام بالبحث العلمي في الجامعات الخاصّة، تحديداً؛ إذْ يُعتبَر القيام بالأبحاث شرطاً مُلزِماً للأستاذ كي تجدّد إدارة الجامعة “عقده السنوي” للتدريس فيها (أي ربّما إذا تُرِك الأمر له لن يقوم بأيّ بحثٍ خارج المقرّرات التي يدرّسها).
وهنا الفارق الكبير بين الجامعات الخاصّة في لبنان وبين الجامعة الوطنيّة التي يقوم البحث فيها على مبادراتٍ فرديّة (أو جماعيّة) لأساتذتها تصدر وتُعلَن (سنوياً). وهذا الكلام ليس تحيّزاً أو عشوائياً، بل أكّدته الأرقام واللوائح التي أظهرت الدرجة المتقدّمة جداً للجامعة اللبنانيّة في البحث العلمي (فالنتيجة كانت جيدة جداً حتى خلال سنوات انتشار الكورونا واللجوء إلى التدريس عن بُعد).”
لم تشذ الجامعة اللبنانية عن الظاهرة العالمية المتنامية بتراجع الاهتمام بالعلوم الانسانية. فالأبحاث في مجالات العلوم البحتة (الطبيّة والهندسيّة والكيميائيّة) تتفوّق كثيراً على الأبحاث المُقدَّمة في مجال العلوم الإنسانية.
أين الثقافة من تلك الابحاث؟ تقول:”لا نغفل ان البحث الثقافي مادّته تتمتّع بمرونةٍ كبيرة تساعد الباحث على “التحرّك” في مساحةٍ واسعة من التعبير عن شخصيّته؛ بأسلوبٍ لا يتطلّب إنجازه الاعتماد، وإلى حدٍّ كبير، على الأدلّة والبراهين والقواعد الصارمة. لكن قد يكون لتقهقر الثقافة وموادّها ومجالاتها في وطننا وبلداننا العربيّة ومستوى التفاهة الذي “يتمتّع” به السواد الأعظم من القيّمين على “الثقافة”، الأثر المركزي في تراجع البحث العلمي .”
لا تغيب قراءتها الاستباقية للواقع الاعلامي من موقعها كعاملة في عدد من المؤسسات في لبنان والخارج.تميزت بقراءة الواقع الاعلامي وتحليله عبر كتابين وعدد من الابحاث.
الكتاب الأوّل، صدر في العام 2018 بعنوان “عندما تتكلّم المصادر- الصحافيّون ومصادر معلوماتهم”.
لعبة المصادر ما زالت تحكم البلد المنهار في اعلامنا اليوم.
تقول :”انطلقتُ في هذا الكتاب من واقع ممارسة مهنة الصحافة في لبنان، والتي تغرق برأيي بكلّ أنواع المصادر فتتلطّى وراءها وتُغرِق معها الجمهور بأخبارٍ موجَّهة، فيتحوّل الخبر إلى بناءٍ مركَّب تبعاً لأهداف المؤسّسة الإعلاميّة. ولا سيّما عندما تُسنده إلى مصادر تجهّلها، وقد تكون من نسج الخيال.”
من مؤلفات الدكتورة وفاء أبو شقرا
الكتاب الثاني، صدر عن دار الفارابي العام الماضي بعنوان “خطبة الجمعة وفوضى المنابر- أزمة الخطاب الديني في زمن الأزمات”
ليس كتاباً في الدين، بل في سوسيولوجيا الإعلام والاتّصال. يتناول بالبحث، ما تمّ إغفاله أو إهماله من عناصر أساسيّة ومركزيّة لإنتاج الخطاب الديني (وأيّ خطاب في الحقيقة) في العالميْن العربي والإسلامي.
توزّعت فصول الكتاب السبعة، على ثلاثة محاور أساسيّة: المحور الأوّل، يركّز على “الدين” برموزه وفروضه ومكانته في حياة الفرد المسلم، من خلال تحديد العناصر المختلفة لـ”خطبة الجمعة” على مستوى النصّ الديني، ما ساعد على رسم “الإطار الرمزي” لمكانة الإمام- الخطيب وخطابه؛
المحور الثاني، يتقصّى في طبيعة جمهور الخطبة (وأسمّيه أحياناً الجماعة المسجديّة) وتركيبته وأنساق قيمه. كيفيّة تشكُّل جمهور خطبة الجمعة، ومحاولة تبيان خصوصيّة هذا الجمهور وتميّزه، من حيث هو “جماعة” لها هويّتها الخاصّة.
أمّا المحور الثالث، فيدقّق في الخطاب الشفهي المواجهي، وفي ماهيّته وآليّات اشتغاله ودوره في تشكيل فكر المتلقّي، والعوامل المؤثّرة في هذا الدور والشروط التي تحكم قابليّته وقدرته على التأثير .
تستوقفنا تلك المحاولات البحثية في غمرة ما نشهده من طغيان وتسلط المعلوماتية على حرية الفكر وتشجيع البحث بتقديم الوجبات الجاهزة عبر محركات البحث.
قبل سنوات شرح بأكثر من عشرين كتاباً، بلغات عدة، الاستاذ الجامعي والمفكر العالمي بيونغ تشول هان استاذ الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة برلين ما وصفه بنظام التفاهة منبهاً الى ان ثمة ظاهرة افرزت آلهة جديدة هم “المؤثرون” الذين يُبجَلون كمناذج يحتذى بها تطل علينا عبر الوسائط الالكترونية وما زالت سطوتها علينا تنجلى يوماً بعد يوم.
الاعلامية والكاتبة دلال قنديل